الانتخابات الأمريكية 2020: لماذا يمكن للمسيحيين تحديد الفائز؟
“لقد خلقنا الله على صورته، لذا فنحن جميعا مجرد شخص واحد”.
“إنه يحبنا، ويريدنا أن نكون سعداء مع بعضنا بعضا، وغير منقسمين”.
روز أورتيز، البالغة من العمر 19 عامًا، وهي تصوت لأول مرة، تتحدث إلي من خلال تطبيق زووم، من غرفة نومها في منزل عائلتها في شارلوت بولاية نورث كارولينا، عن آمالها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
لم يبق إلا أسابيع فقط على ما يسميه البعض أهم انتخابات في التاريخ الأمريكي.
تتحدث روز معي، محاطة بملصقات موسيقية، بهدوء ولكن بحماس عن إيمانها المسيحي وكيف تشعر أنه يؤثر في تصويتها.
وعلى الرغم من قضاء روز أسابيع طويلة في التفكير بجد بشأن من تصوت له، فإنها تكافح للاختيار بين مرشحين يتمتعان بصلات دينية قوية.
لقد تأثرت بأن دونالد ترامب كان أول رئيس أمريكي يحضر أكبر تجمع سنوي مناهض للإجهاض في أمريكا في يناير/كانون الثاني.
وقالت لي: “باعتباري مسيحية، لا يود الله أن يرى أي إجهاض. هذا شيء أتفق فيه مع ترامب”.
وعلى الرغم من أن عقيدة جو بايدن الكاثوليكية أمر يمكن أن يربط روز به، فإنها تشعر أنه بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد للتواصل مع المسيحيين الأصغر سنا.
في العديد من البلدان، لا يجتمع الدين والسياسة جنبا إلى جنب بسهولة، لكن الأمر مختلف في أمريكا.
ففي ولايات مثل نورث كارولينا، يمكن أن يكون الدين عاملا حاسما في نتيجة السباق الرئاسي. وهي ولاية متأرجحة، مما يعني أنها يمكن أن تصوت إما لترامب و أما لبايدن.
وحتى يُعاد انتخاب ترامب، عليه أن يحصل على أصوات ولايات كهذه. فقد حقق فوزا كبيرا هنا في عام 2016، بفوزه على هيلاري كلينتون بنحو 4 في المئة.
وتظهر استطلاعات الرأي هذا العام أن السباق صعب. ففي وقت كتابة هذا التقرير، كان بايدن متقدما في ولاية نورث كارولينا بأقل من نقطة مئوية.
ومن المؤكد أن كلا مرشحي الرئاسة يضع الدين في قلب رسائل حملتهما الانتخابية.
وبينما يسعى دونالد ترامب إلى الترويج لنفسه على أنه المرشح المدافع عن المسيحية، يقول منافسه، جو بايدن، إن هذه الانتخابات معركة من أجل روح الأمة.
وهذا أمر منطقي: إذ إن أكثر من ثلاثة أرباع الناخبين من المسيحيين.
وكثر الحديث عن تأثير الناخبين الإنجيليين البيض في عام 2016.
وأظهرت استطلاعات الرأي أن أكثر من ثمانية من بين كل 10 صوتوا لصالح دونالد ترامب في ذلك الوقت، ولا يزالون جزءًا رئيسيا من قاعدته.
لكني أعرف، بصفتي مسيحية سوداء، أن الكنيسة تتسم بالتنوع.
فأغلبية المسيحيين الأمريكيين ليسوا من الإنجيليين البيض، كما أخذت تعلو أصوات اليسار السياسي.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، كنت أتحدث مع أشخاص لا نسمع منهم في العادة، في ولاية نورث كارولينا.
وفي هذا العام سيكون المنحدرون من أصول لاتينية، مثل روز، هم أكبر مجموعة أقلية عرقية في الدوائر الانتخابية، إذ يمثلون ما يزيد قليلا على 13 في المئة من الناخبين الذين يحق لهم التصويت.
لكن هناك احتمالا قليلا في أن يخرجوا للتصويت مقارنة بالمجموعات العرقية الأخرى.
ووجد مركز بيو للأبحاث أن “عدد الناخبين ذوي الأصول الإسبانية، الذين لم يصوتوا قد تجاوز عدد الذين شاركوا في كل انتخابات رئاسية منذ عام 1996”.
ويشار غالبا إلى المسيحيين من أصل إسباني على أنهم الناخبون المتأرجحون. ودفع التأثير المحتمل الذي يمكن أن يتمتعوا به إلى وضعهم في بؤرة الحملتين الرئاسيتين لترامب وبايدن.
وينتمي ما يقرب من نصف ذوي الأصول الإسبانية في الولايات المتحدة إلى الكاثوليكية، ومن المرجح أن يكونوا محافظين اجتماعياً. لكن موقف دونالد ترامب من الهجرة قد يكون من الصعب بالنسبة إليهم التغاضي عنه.
وتنحدر والدة روز من هندوراس، وقد أصبحت الخطة المؤقتة التي سمحت لها بالبقاء في الولايات المتحدة الآن في طي النسيان.
وانخرطت الأم في البكاء وهي تخبرني كيف أثرت حالة عدم اليقين على أسرتها، وتقول إنها قلقة بشأن ما قد يحدث بعد ذلك.
وتقول: “إذا كان بإمكاني اختيار ما أود أن أراه في المرشح، فإني أود حقا أن أراه يمنح فرصة للمهاجرين”.
“فقط أعطهم فرصة للعيش في هذا البلد، بحرية، ولا داعي للقلق بشأن الترحيل”.
وتتمتع ولاية نورث كارولينا بتراث غني فيما يتعلق بالمسيحية، وعدد من وجهات النظر بشأن الإيمان والكتاب المقدس.
وفي الجنوب توجد مدينة شارلوت، مسقط رأس الإنجيلي العالمي الشهير بيلي غريهام. وابنه فرانكلين مؤيد قوي لدونالد ترامب.
لكن مدينة غرينسبورو، في الشمال، هي موطن القس الإنجيلي الأسود الدكتور ويليام جيه باربر الثاني.
ويقول الناشط الحقوقي الدكتور باربر إن تأييد بعض المسيحيين المحافظين لدونالد ترامب “هرطقة”.
ويستند الدكتور باربر في ذلك على التاريخ الطويل للنشاط السياسي في الكنيسة السوداء، والاحتجاجات والحملات التي يقودها غالبا رجال الدين.
وهو يقود حركة وطنية من أجل العدالة الاجتماعية والاقتصادية تسمى حملة الفقراء.
بصفتي مواطناً من جنوب إفريقيا، أرى أوجه تشابه بين كفاح السود في الولايات المتحدة وفي بلدي، وكذلك دور بعض قادة الكنيسة.
القس ويسلي موريس منخرط في حملة الفقراء. تحدثنا معه خلال احتجاج على موت رجل أسود وهو محتجز لدى الشرطة في غرينسبورو.
وقال: “أنا أتحدث عن المسيحية التي تدور على المسيح الثوري. المسيح الذي وقف ضد قوى عصره”.
ويرى أن الحديث عن الظلم واجب ديني.
ويقول: “أنا رجل أسود أعظ في الولايات المتحدة، التي لها تاريخ طويل من المعارك في مجال الحقوق المدنية وحقوق الإنسان. أفكر في ذلك كل أسبوع عندما أقف للوعظ”.
ويأمل القس موريس أن يساعد العمل الذي يقوم به وحملة الفقراء في تحول ولاية نورث كارولينا.
ويقول: “من المهم بالنسبة لي أن تتحدث دولتنا بوضوح عن رفضها للسياسات والتجارب التي خضناها في ظل هذا الرئيس”.
وقد انخفض إقبال الناخبين السود بشكل كبير في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، من مستوى قياسي مرتفع بلغ 66.6 في المئة في عام 2012، إلى 59.6 في المئة في عام 2016.
هذا التراجع بنحو سبع نقاط مئوية هو الأكبر على الإطلاق بالنسبة للأمريكيين السود، ويقول مركز بيو للأبحاث إنه كان أول انخفاض منذ 20 عامًا.
كان للكنيسة السوداء في أمريكا نفوذ وتأثير تاريخي هائلين.
وأردت أن أعرف لماذا يبدو أنه كان هناك عدم انخراط عندما نتحدث عن خروج الناس للإدلاء بأصواتهم آخر مرة.
يبلغ القس مايكل بريكهاوس 28 عاما فقط، لكنه يتحدث بثقة بالنفس وبسلطة لا يتمتع بها إلا شخص يعظ منذ عقود.
ويقول في عام 2016، اتخذت الكنيسة السوداء مكانتها في حياة الناس كأمر مسلم به، وعليها الآن العمل لاستعادة تلك المكانة.
ويضيف: “كانت الكنيسة السوداء في أوجها. كان لدينا منذ فترة وجيزة باراك أوباما في منصبه، وصوت كثيرون ممن لم يصوتوا من قبل له”.
“تمكنا من التحلق حول باراك أوباما، ولم يكن بوسعنا أن نفعل ذلك مع هيلاري كلينتون”.
“نحن نعيش الآن في وقت نرى فيه أن من ستصوت له سيحدد مسار حياتك.”
إنه يتحدث عن وباء فيروس كورونا. لقد كشفت الأزمة الصحية وجود عدم مساواة عرقية في أمريكا. فقد أدى وجود الفيروس وما سببه من فقدان للوظائف إلى تأثيرات غير متناسبة بالنسبة إلى السود والمنحدرين من أصول لاتينية.
يدير القس بريكهاوس خدمة يقدم من خلالها وجبات مجانية توصلها سيارات خاصة في كنيسته في مدينة رالي عاصمة الولاية. وأدى الوباء إلى زيادة الطلب على الخدمة 10 أضعاف.
وينبه متطوعو القس بريكهاوس الناس، إلى جانب الوجبات المجانية، إلى الطريقة التي يمكنهم بها إسماع أصواتهم في الاقتراع.
ويقول: “إن تصويت المسيحيين السود أكثر نشاطا هذه الدورة الانتخابية، لأن ما رأيناه هو أن حياة الناس تعتمد عليها حقا”.
وأضاف: “لا أعتقد أن الرئيس ترامب يمثل القيم المسيحية. أعتقد أن ترامب يستغل العقيدة المسيحية من أجل إعادة انتخابه”.
هناك بالطبع مسيحيون يحبون ما يمثله الرئيس ترامب، وروندا ألين واحدة منهم.
وهي امرأة دافئة، وهي مدربة أسلحة نارية، وتؤمن بأن امتلاك السلاح حق منحه الله لنا.
وتقول: “هذه في رأيي حرب روحية. الخير ضد الشر. المسيحي هو جيش الرب على الأرض.”
وتقول روندا إن دونالد ترامب “أظهر نفسه على أنه صديق للمسيحيين” وأنها لم تر “مثل هذه الثمار” من جو بايدن.
هناك من يتساءل عن مدى قدرة هذا العدد الكبير من المسيحيين المحافظين على دعم رئيس تبدو كلماته وأفعاله خارجة عن وصايا الكتاب المقدس.
لكن هذا، بالنسبة إلى روندا، سهل. إذ تقول إنه فعل الكثير في قضايا مهمة.
وتضرب لذلك مثلا بتعيين قضاة محافظين في المحكمة العليا. وحقا فإن الترشيح الأخير للقاضية المسيحية المحافظة آمي كوني باريت للمحكمة يعده مسيحيون مثل روندا دليلا على التزام الرئيس تجاههم.
وترى روندا أن السيطرة على المحكمة العليا في البلاد وسيلة لإلغاء القوانين الحالية المتعلقة بقضايا مثل الإجهاض، التي تود أن ترى حظرا تاما عليها.
ويؤثر الدين في السياسة في الولايات المتحدة بطريقة لا توجد في كثير من البلدان الأخرى.
وقيل لي غير مرة، إن قرار هيلاري كلينتون بالتقليل من شأن إيمانها المسيحي في عام 2016، وافتقارها إلى التواصل مع المسيحيين، كلفها كثيرا.
وكان ذلك تناقضا صارخا مع باراك أوباما، الذي كان برنامجه للتواصل الديني فعالا للغاية.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية ، كانت أقلية داخل المشهد المسيحي الأمريكي مؤثرة بشكل لا يصدق.
لكن المسيحيين الآخرين ينظمون أنفسهم الآن للضغط من أجل ما يأملونه من تحقيق نتيجة سياسية مختلفة.
لقد تحدثت مع ناخبين لم يحسموا أمرهم بعد وأخبروني أنهم يريدون مرشحين يتحدثون عن قيمهم الدينية، وأن يتحدثوا بصوت عال عن معتقداتهم الدينية.
وأخبرني بعضهم أن هذا قد يكون أكثر أهمية من موقف مرشح ما من قضايا محددة.
ولكن يتعين علي، باعتباري صحفية في بي بي سي، أن أدع مشاعري جانبا خلال العمل في أي موضوع.
لكن هذا الموضوع كان شخصيا بشكل كبير، وقد ساعدت بعض المحادثات التي أجريتها مع الناس في تشكيل إيماني ودعمه.
لم أكن أتوقع أن أعمل على هذا الموضوع كله تقريبا في حالة الإغلاق التي مرت بها البلاد، ولم أكن أتوقع التأثير الذي قد يخلفه فهم العنصرية في أمريكا علي.
لقد ساعدتني بعض الأشياء التي شاركها الناس معي، عندما وجدت أن إيماني قد تعرض للتحدي.
كل شخص تحدثت معه في نورث كارولينا يهتم بشدة ببلاده، ويخشى ما يحدث في أمريكا.
كان القاسم المشترك بينهم جميعا هو أن وجهات نظرهم كانت ذات جذور عميقة في الكتاب المقدس.
الإيمان هو العدسة التي يرى من خلالها العديد من المسيحيين الأمريكيين السياسة، لذلك قد يكون المسيح فعلا المفتاح للفوز في هذه الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
نقلا عن بى بى سى
0 comments