سؤال: أريد أن أعرف الزواج في المسيحية إختيار أم نصيب؟ هل فكرة القسمة والنصيب في الزواج سليمةمسيحيًا؟
مسيحيًا نفهم أن الإنسان يعمل مع الله (كورنثوس الأولى 9:3) منذ أن أعطاه الله سلطانًا على الكون والخليقة (تكوين 26:1-28)، (ستجد النص الكامل للكتاب المقدس هنا في موقع الأنبا تكلا) ونفهم كذلك أن “الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضًا” (رسالة غلاطية 7:6)، بمعنى أن الإنسان مسئول عن نتائج أعماله.
وكثرًا ما يبقى الإنسان خاملًا في انتظار “نصيبه” الذي سوف يحصل عليه، شاء أم أبى، بذل جهدًا أم استرخى.. وهو ما تعبر عنه كثير من الأمثال الشعبية مثل “مش حايصيبك إلا نصيبك”!
وكثيرًا ما يخطئ الإنسان صنع القرار، ويترتب على ذلك نتائج غير مُرضية، وبدلًا من أن يصحح نفسه مُعترفًا بخطئه، فإنه يعزو تلك النتائج إلى القدر الذي أتى عليه بالمتاعب، أو إلى “النصيب” الذي لا مفر منه، أو يعتقد أن ما حدث كان سيحدث حتمًا، مهما بذل الإنسان من جهد، ومهما فكر أو تروّى في صنع القرار.
تطبيقًا على ذلك، فقد يظن الإنسان الذي لم يوفَّق في زواجه أن ذلك قَدَره و”نصيبه” وعليه أن يقبله لأنه هكذا يوزع القدر “الأنصبة” على الناس! فالبعض ينال “نصيبًا” حسنًا وينجح في زواجه، والعكس بالعكس.. وكان حريًا بذلك الإنسان أن يفكر بأسلوب أكثر منطقية: فربما لم يترو الفرد في الاختيار حتى ارتبط بشخص غير متناسب معه في الطباع والاتجاهات والأهداف، وكلنا نخطئ صنع القرارات، وكلنا نفشل ولكننا نحوِّل الفشل إلى نجاح.. لذلك فمن وجد زواجه غير موفق نتيجة خطأ في الاختيار، فعليه أن يواجه نتائج هذا الخطأ بإيجابية، لا باستسلام للأمر الواقع فيندب “حظه”، ولا بالهروب من الفشل بالانفصال عن شريك العمر بل بتحويل الفشل إلى نجاح من خلال تجاوز الذات، والمحبة التي تحتمل كل شيء، والتي لا تتفاخر ولا تُقَبِّح، مما يهيئ الشريك للتنازل والتسامح ومحاولة التكيُّف.
وهكذا لا نستسلم لما يُسمَّى بـ”النصيب”، بل نؤمن بفاعلية الإرادة الإنسانية، وديناميكية الشخصية، وقدرة التغيير إلى الأفضل لدى الإنسان؛ ذلك المخلوق الذي حباه الله الإمكانات الخلاّقة، وقدرات الإبداع.
وينبغي أن نلفت النظر هنا إلى أن كل زواج يمر بخلافات تختلف شدتها بين زواج وآخر، ومن خلال المحبة والتضحية والتنازل تنتهي الخلافات.. ولكن لا ينبغي أن يتخذ الزوجان من حدوث الخلافات دليلًا على أن الاختيار لم يكن سليمًا، أو دليلًا على أنهما قد ارتبطا ضد مشيئة الله، فهذه كلها أعذار يختلقها بعض الأزواج والزوجات بدلًا من أن يبذلوا جهدًا في التكيف الزوجي.
* أين مشيئة الله في الاختيار الزوجي؟
إن الله يشاء خير الإنسان، وهو يحترم حرية الإنسان وإرادته، لأنه خلقه على صورته، شخصًا حرًا عاملًا يفكر، ويختار، ويصنع قراراته بملء رغبته.. والمسيحي يستعمل العقل، وهو نعمة من الله، كما يفيد من إمكانية أخرى في ذات الوقت؛ فالمسيحي لديه قدرة داخلية على اكتشاف صوت الله (إنجيل يوحنا 4:10، 5)، فهو –إذن- يستعمل قدراته العقلية، وخبرته، ويسترشِد بصوت الله، الذي يمكن أن يسمعه داخل قلبه، يسمعه واضحًا بقدر إخلاصه وطاعته وأمانته لله.
يقول المثل “God gives every bird its worm, but He doesn’t throw it into the nest”، “الله يعطي لكل عصفور الدودة التي يأكلها، ولكنه لا يلقيها له في العش”. أي يجب أن يسعى الإنسان ويهتم ويسأل ويكافح لينال، ولا يجلس فقط منظرًا القسمة التي ستأتي إليه! إذا آمنا بهذا الأمر، فما قيمة محاولاتنا! الله بقدرته الإلهية يعرف مسبقًا ما ستختار، ولكنك أنت الذي تختار! الله يعرف فقط ولكن لا يختار نيابة عنك.
إذن، ففي صنع قراراتنا -سواء قرار الزواج أو أي قرار آخر- نستخدم العقل الذي حبانا الله إياه، ونسترشِد بصوت الله في القلب، ولا نستسلِم للقدرية، أو لفكرة “القسمة والنصيب”.
مرجع: كتاب “الشباب يسأل – 1” – د. عادل حليم
0 comments