Monday, November 25, 2024
x

رسالة من إرهابي!

رسالة من إرهابي!
نص السؤال كما ورد: إلى أقباط مصر ونصارى مصر فإنكم تعلمون جيدا الشروط العمرية بخصوص أهل الذمة و خصوصا النصارى وها أنتم قد خالفتموها بعدما اعتقدتم أن المسلمين قد انكسرت شوكتهم و قد ساعدكم في ذلك الطواغيت المرتدين و جنودهم حتى وصل بكم الأمر أن تأسروا أخواتنا المسلمات في أديرتكم أديرة الشرك و البهتان أديرة الكفر و الفسوق و اعتقدتم أنها حصونا مانعة فعذبت فيها أخواتنا و فتنتمهن عن دينهن. لكن هيهات هيهات فإن للإسلام جنود لا تصدهم حصونكم و لا يخافون من تعتقدون أنهم حماتكم. للإسلام أسود على وشك الزئير فإن زأرت ساء يومكم، فو الله و الله إن لكم منا يوم نجعل ليلكم نهارا و بردكم نارا، يوم تشيب من هوله الولدان، و لنخلصن أخواتنا من سجونكم و لو بعد حين و لنفكن أسرهم، و لنمرغن وجوهكم في التراب، و لنقتلعنكم من جذوركم، فالسيوف قد شحذت و الأسود سلت سيوفها وكل منهم يخاطبكم بصوت يقطر دما، و اسألوا أجدادكم عن سيف الله المسلول خالد بن الوليد كيف قطع الرؤوس، لتعلموا معناها و تعلموا ما ينتظركم. فيبدوا أن رؤوسكم قد أينعت و قد آن قطافها، فصبرا و إن غدا لناظره قريب و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون

الإجابة:

كنت سأتجاهل هذه الرسالة لبساطة عقل كاتبها(*)، وخاصة لأن الراسل أرسلها من إيميل بعنوان muslem_irhabi أو “مسلم إرهابي” (لن نضع الإيميل كاملًا بالطبع حفاظًا على الخصوصية privacy، مع العلم أن البريد ليس من المواقع المجانية لعمل الإيميلات)، وظننت أنها مجرد مزحة أو إيميل طريف مثل الذي يأتينا من آن لآخر بتهديدات للموقع أو للحياة، ننظر لمرسليها بعين العطف والإشفاق والسؤال إلى الله عز وجل لكي يهدي الجميع.. فكما نرى أمثال تلك الرسائل، يراسلنا في موقع الأنبا تكلا آلاف المسلمون المعتدلون، برسائل جميلة وأسلوب مهذب، حتى وإن كان الغرض من بعضها هو مقارنة الأديان، إلا أن الأسلوب يكون مقبولًا، ومن أشخاص حكماء..
ولكن الذي جعلنا نهتم بنشرها هنا، أننا وجدنا أنها متاحة على الإنترنت في مواقع ومنتديات إسلامية عدة، وكذا كمداخلة في بعض المواقع المسيحية! وكانت توضع بعناوين مثل “قطع النياط في ردّ عادية الأقباط”، و”غزوة السيف البتار لفك أسيرات المسلمين من أيدي الكفار في مصر”.. إلخ. فهي لم تكن مجرد رسالة من شخص كان لديه وقت فراغ فكتب هذا وأرسله اعتباطيًا (أي بدون هدف)، ولكنها كُتِبَت بإرادة واعية ولغرضٍ ما، سواء أكان الراسل هو الكاتب الأصلي، أو مجرد ناقل للمحتوى.. مع أنه أخطر بكثير إن كان راسل المقال هو نفسه الكاتِب، فهذا يعني أن هدفه هو خلق فتنة طائفية، وحشد مسلمين بسطاء لا دراية لهم بأن الواقع عكس ما يقول، وتحفيزهم ضد المسيحيين.. فهو إما جاهل بالأحداث، أو يتعمد قلب الحقائق لتحقيق أهداف وأغراض ملتوية.. ولكنه أرسله من بريد عُمِلَ خصيصًا كما أوضحنا أنه على موقع محدد، وليس باستخدام مواقع مجانية مثل ياهوو أو جيميل أو هوتميل وغيرهم..

على أي الأحوال.. دعنا نترك المقدمات ونتأمل معًا في محتوى تلك الرسالة، التي تسيء إلى الإسلام قبل أن تحاول الإساءة لغيرهم..

بدأ الأخ العزيز رسالته بتوجيهها إلى “أقباط مصر” و”نصارى مصر”، وهذا يجعلنا نتساءل: هل الراسل مصري من الأساس؟! فإن كان مصريًا سيعلم ما عاناه ويعانيه أقباط مصر من مشاكل، سواء أكانت على شكل اضطهاد فعلي وقتل وأسلمة وغيره مثل أحداث نجع حمادي والكشح والإسكندرية وغيره.. ومثل معاناة التمييز في بعض الأحيان في مجالات العمل والرياضة والسياسة وغيره.. إلخ.

ثم ينتقل لموضوع الجزية، التي كانت تُدفع في مقابل الحماية.. والآن الجيش المصري به بالفعل المسلم والمسيحي.. فعن أي شيء تُدفع الآن؟!

وتعدى الأمر الهجوم على الأقباط إلى الهجوم على الحكومة والسياسيين ورجال الدولة بقوله “ساعدكم في ذلك الطواغيت المرتدين و جنودهم”.

يكمل الأخ فيقول: “تأسروا أخواتنا المسلمات في أديرتكم أديرة الشرك والبهتان أديرة الكفر والفسوق واعتقدتم أنها حصونا مانعة فعذبت فيها أخواتنا و فتنتمهن عن دينهن”.. وهذا دلالة أخرى على أنه قد يكون غير مصري، فإن كان مصريًا حقًا، لعلم أن الأديرة والكنائس القبطية مفتوحة للجميع، بغض النظر عن الجنس أو الدين أو السن.. ونرحب به لتشريفنا في أي دير قبطي على مستوى العالم! ثم هل انقلبت الآية وأصبح المسلمون هم مَنْ يعانون من الاضطهاد؟! إنك قد لا تكون مصريًا من الأساس، ولا حتى تتابع الأخبار!!

وبسبب وجود الرسالة على الإنترنت، ووضع حقائق مغلوطة أو معكوسة، يعطي ميل للظن بأن الرسالة أصلًا كاتبها ربما يكون من بلد منعزلة مثل المملكة العربية السعودية، فلا يعرف كاتب المقال أدنى الحقائق، ويتحدث عن خيالات لا علاقة لها بالواقع!

وحتى إن كان مُراسلنا العزيز لم يقصد توجيه رسالة شخصية، وقام فقط بنقلها من على الإنترنت Internet وإرسالها إلينا، فهذا لا يبعد عنه المسئولية الأدبية والجنائية لكونه أسمى نفسه بالفعل في الإيميل email المُرسَل: “المسلم الإرهابي”!

أما عن أوصاف الإسلام والمسلمون مثل قوله: “للإسلام جنود”، “للإسلام أسود”، “نجعل ليلكم نهارا و بردكم نارا”، “لنمرغن وجوهكم في التراب”، “لنقتلعنكم من جذوركم”، “فالسيوف قد شحذت”، “الأسود سلت سيوفها”، “كل منهم يخاطبكم بصوت يقطر دما”، “اسألوا أجدادكم عن سيف الله المسلول”، “كيف قطع الرؤوس”، “رؤوسكم قد أينعت و قد آن قطافها”.. فكل هذا يسيء إلى الإسلام والمسلمين، قبل أن يكون محاولة لنصرتهم.. مَنْ يستطيع أن يتلمَّس الإنسانية فيما تقول؟! فموضوع الرؤوس المقطوعة والإرهاب وقتل الأبرياء وغيره رآه العالم في شاشات الأخبار وفيديوهات ومواقع الأنترنت.. وللأسف رأيناه أوائل عام 2011 في الإسكندرية.. ويحاول المسلمون المعتدلون الآن الخلاص من نظرة العالم للمسلم كإرهابي، وها أنت تعود فتكررها، ويؤكدها غيرك بأفعال.. يحاول المسلمون أن يوضحون أن أمثال تلك الأفعال تصدر عن شخصيات غير مسئولة، ولا تعبر عن الإسلام.. فهل ترى يا عزيزي الله عز وجل يتنازل عن دوره كديان للعالم، ويضعك مكانه -حاشا- لتقوم أنت بالحكم على الناس، مَنْ يعيش ومَنْ لا يستحق العيش؟! كتاب الله يقول: “يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ” (إنجيل متى 5: 45).. ويقول أيضًا في نفس السياق: “أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ”.. فشتان بين ما تطلب، وبين ما يأمر به الله عز وجل.. شتان بين المحبة والبغضة بغض النظر عن الشخص.. فجميعنا خليقة الإله الواحد، ووجهه وحده من نطلب.. ولن أعرض لآيات القرآن الكريم التي تتعرض لأمور إنسانية سامية، حيث يتناساها البعض بتعمد ويقول بنسخها من قبل آيات أخرى توجِب قتل الناس!! فلك في هذا شيوخ الإسلام الحكماء في الأزهر من منارات الإسلام الحق وغيره من أوجه الإسلام الوسطي المعتدل..

إن ما تتحدث عنه لا يختلف عما نراه من أفعال بعض اليهود في أخوتنا الفلسطينيين، من قتل ونهب وتخريب وسرقة الأرض.. كما حاولوا أن يفعلوا في مصرنا الحبيبة ولكن خزاهم الله عز وجل..

أخيرًا، لم أستطع أن أمنع نفسي من تذكر الفنان الكبير عادل إمام في فيلم “الإرهابي”، وهو يقف على السلم ويُشير بأصابع الاتهام لحاضرين الحفل ويقول ما كررته أنت: “إني أرى رؤوسًا قد أينعت، وحان وقت قطافها” 🙂

نسأل الله الهداية لنا ولك..