الدين في عصر كورونا: “صلوا في منازلكم”
من تونس إلى طهران مرورا بالقدس ودول أخرى، دعمت أغلب السلطات الدينية القرارات التي اتخذتها الحكومات لمكافحة فيروس كورونا المستجد، بل وذهبت حتى ابتكار أساليب لم تكن لتكون مقبولة في الوقات العادية، للقيام بالطقوس الدينية، ومن بينها استخدام الإنترنت.
ارتفعت أصوات بعض رجال الدين في عدد من الدول، محذرة من الغضب الإلهي بسبب إغلاق دور العبادة في منطقة تلعب فيها الديانة دورا محوريا في الحياة اليومية للسكان، لكن هذه الأصوات لم تلق آذانًا صاغية.
وعندما أخذ المؤذنون علما بقرار السلطات بإغلاق المساجد في عدد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تحول آذانهم من “حيا على الصلاة“ إلى “صلوا من منازلكم“.
في تونس، حيث يصلي المؤمنون أحيانا أمام الأبواب الموصدة للمساجد، أجهش مؤذنون بالبكاء لدى إعلان ذلك، بحسب مقاطع فيديو نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي.
في مصر، كانت الصورة مرتبكة بعض الشيء يوم الجمعة ٣/٢٠، مع قرار وزير الأوقاف بالإبقاء على المساجد مفتوحة لصلاة الجمعة موصيا باتخاذ الاحتياطات اللازمة، قبل أن تعلن الحكومة في اليوم التالي قرارها بإغلاق المساجد.
ودائما في مصر، قرر المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة البابا تواضرس الثاني، إغلاق جميع الكنائس وإيقاف الخدمات الطقسية والقداسات وقاعات العزاء، وإذا أثار القرار بعض التعليقات المتذمرة من عدد من الأقباط على شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن الأغلبية تقبلته بدون اعتراض.
في الأراضي المقدسة، دعا بطريرك اللاتين في القدس المؤمنين إلى المناولة باليد بدلا من الفم خلال القداديس، الأمر الذي التزمت به كذلك الطوائف الكاثوليكية في لبنان، قبل أن تقفل الكنائس بشكل كبير.
وفي خطوة غير مسبوقة، أوصى الحاخام الأكبر للسفرديم إسحق يوسف، اليهود بعدم إطفاء الهواتف المحمولة خلال عطلة يوم السبت اليهودية، بحيث يتمكن المؤمنون من تلقي المعلومات العاجلة المتعلقة بالوباء، وهو ما يعتبر تجديفا في الديانةاليهودية، ودعا حاخامون آخرون المؤمنين إلى الصلاة من منازلهم.
في إيران، إحدى البؤر الرئيسية لتفشي الوباء، عاد النقاش بين العلم والدين إلى الواجهة، وقال الأستاذ الجامعي والفقيه محسن ألفيري من مدينة قم “يعطي البعض الأولوية للطقوس الدينية التي يضعونها قبل كل شيء حتى العلوم الطبية“، بينما يرى آخرون أنه “يجوز وقف الصلوات الإلزامية لإنقاذ أرواح“، وتدخل آية الله علي خامنئي أكثر من مرة لدعم الطاقم الطبي والقرارات التي اتخذتها الحكومة.
في لبنان، حيث تتعايش 18 طائفة، دعم الزعماء الروحيون إعلان “حالة التعبئة الصحية“ وتدابير العزل.
وعمدت كنائس إلى بث قداديسها على شبكات التواصل الاجتماعي. وقام كاهن بمباركة البلاد من مروحية حلقت فوق بيروت بعد أن قبل صلبيا ورفع الصلوات.
وأكد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أنه يمكن الانتصار على الفيروس إذا تحمل كل فرد مسؤوليته، مشددا على أن احترام تعليمات السلطات الصحية واجب ديني.
واعتبر المسؤول في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية الشيخ ماجد صقر نقل العدوى إلى الآخرين “إثما“، مشيرا الى أن الإسلام يحث على النظافة.
في غياب خطبة الجمعة، ستبث قريبا على التلفزيون والإذاعة في تونس برامج يسجلها أئمة لتوضيح السلوك الواجب اعتماده كمسلم والتذكير بأهمية الصلاة في المنازل وإعطاء الأولوية للصحة.
في العراق، أطلقت السلطات الدينية النافذة حملات توعية حول الوباء، لكن دعوات التوعية لم تلق تجاوبا كبيرا في هذا البلد، إذ تدفق عشرات آلاف العراقيين الموشحين بالسواد في الأيام الأخيرة إلى بغداد لإحياء ذكرى الإمام الكاظم، أحد الأئمة المعصومين لدى الشيعة، وتواجه السلطات العراقية صعوبة في تطبيق حظر التجول.
في المغرب، ذكرت وسائل إعلام الأحد أن بعض المواطنين أدوا الصلاة في الشوارع خلال الليل، رغم تدابير العزل المفروضة. ونشرت صورا لذلك، وبينما دعمت معظم المرجعيات الدينية تدابير السلطات، تعالت أصوات لرفضها، واتهم الداعية السلفي المغربي المتشدد أبو النعيم السلطات “بالكفر“، معتبرا أن البلد الذي تُغلق فيه المساجد، هو “بلد مرتد عن دين الإسلام“. وتم توقيفه بتهمة “الإرهاب“.
في الجزائر، كتب الداعية شمس الدين الجزائري على فيسبوك “أخشى أن يكون الله ابتلانا بهذا الفيروس حتى نرجع إلى الله ثم يرى النتيجة أننا أغلقنا بيوت الله فيغضب الله جل جلاله فيسلّط علينا فيروسا أخطر منه“.
وستبقى صورة صحن الكعبة الخالي في مدينة مكة في السعودية عالقة في الأذهان بعد انتهاء أزمة وباء كورونا، بعد أن أوقفت المملكة العربية السعودية في خطوة غير مسبوقة، مناسك العمرة.
- مونت كارلنقلا عن
- مونت كارول