Saturday, September 21, 2024
x

تأملات في الأسبوع الثالث من الصوم الكبير – الابن الشاطر

تأملات في الأسبوع الثالث من الصوم الكبير – الابن الشاطر

الصوم هو استمرار لفعل التوبة، والتوبة تعنى القيام المستمر والارتماء في حضن الآب… حيث نكتشف قلب الله غير المحدود في المحبة، لذلك تقرأ الكنيسة لنا هذا الأسبوع عن الابن الضال… حيث أقوم وأرجع إلى أبي. نحن نتذمر على الله ونعتب ونقول ربنا تركنا والحقيقة نحن الذين نذهب إلى كورة الخنازير وعندما نرجع نكتشف حقيقة أبدية: إن محبة الله لا يمكن أن ت نقص، بل على العكس يزداد تعمقنا في اكتشافها.

ما أجمل حضن الآب، ما أجمل قبلاته، وعدم تأففه من قذراتي… هذه أجمل مشجع لي طول رحلتي وأثناء سقوطي… من أجل ذلك أسير بخطوات قوية في التوبة لأن أبي ينتظرني وقبلاته تشجعني، ودمه يطهرني والحلة الأولى تنتظرني…

والقصد من التوبة هو التعمق في اكتشاف أبعاد حب الله واتساع قلبه . فأنا بذرت أمواله التي أعطاني إياها من مواهب وعلم وصحة ومال… الخ وأسرفتها في العالم… كيف سيقابلني أبي، إنه يركض ويقع على عنقي ويقبلني… ما هذا الحب!!!

والقصد من التوبة هو اكتشاف غنى بيت الآب ، غنى الكنيسة. فيها الحلة الأولى (المعمودية)، فيها الخاتم علامة الشركة الدائمة مع الآب، وفيها العجل المسمن- هذه وليمة الألف سنة (جسد الرب ودمه الدائم على المذبح).

ومن أجمل مميزات التوبة الفرح … وهذا الفرح أكبر مشجع في الرحلة… فرح أولاد الله التائبين بأبيهم حول المائدة السماوية (المذبح) فرح لا ينطق به ومجيد. إنها طبيعة الكنيسة التائبة. التي تعيش دائمًا في الفرح الدائم، والفرح بالمسيح هو زاد الكنيسة في رحلة صومها وجهادها المقدس.

ينتهي هذا الأسبوع بقصة رجوع الابن الضال:

وقصة الابن الضال لها ثلاثة أركان:

الأول : حنان الآب- وإشعياء يشير إليه بوضوح.

الثاني : خطايا الابن- وقد تحدث عنها إشعياء.

الثالث : توبة الابن- وسفر إشعياء هو سفر التوبة.

1- أبوة الله لنا:

يبدأ حديث إشعياء في أول أيام الأسبوع عن هذه الأبوة: “هاأنذا والأولاد الذين أعطيتهم الآب ” (إش 8: 18).

فقصة الابن الضال هي بالأكثر تكشف عن قلب الآب المحب وشوقه لرجوع ابنه، “وإذ كان لم يزل بعيدًا رآه أبوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله” (لو 15: 20).

2- الخطية:

“وإذا قالوا اطلبوا إلى أصحاب التوابع العرافين.. .” (إش 8: 19).

“فيعبرون فيها مضايقين وجائعين. ويكون حينما يجوعون أنهم يحنقون… وينظرون إلى الأرض وإذا شدة ظلمة قتام الضيق وإلى الظلام هم مطرودون” (إش 8: 21، 22) “الجالسون في أرض ظلال الموت الشعب السالك في الظلمة” (إش 21، 22).

أليست هذه هي تصرفات الابن الضال:

بدل أن يسأل أباه سأل أصدقاءه الأشرار الذين قادوه للعرافين… كأن ليس له أب أو إله.

الأرض التي ذهب إليها يقول عنها إشعياء أنها أرض ضيقة وجوع وظلام ويعيشون فيها غرباء (مطرودين)، وهذه نفس أوصاف ربنا عن أنها كانت أرض الخنازير، وكان يشتهي أن يملأ بطنه منها وهو في حالة جوع.

هذه هي ثمار الخطية وصفها لنا إشعياء النبي في أسبوع الابن الضال.

3- التوبة:

1- التوبة هي رجوع وخضوع للآب والتلمذة له:

فيقول النبي: “صرَّ الشهادة اختم الشريعة بتلاميذي” (إش 8: 16). فاشعياء يكشف لنا أن التوبة هي تلمذة لوصاياربنا يسوع وهي في ذات الوقت شهادة (صر الشهادة).

فالشخص التائب هو أكبر شاهد لعمل نعمة المسيح فيه، والعصر الذي تعيش فيه الكنيسة اليوم يتوقف على قوة التوبة فيها،     . فكنيسة ليس فيها توبة مستمرة هي كنيسة جامدة، أما كنيسة تعيش أفرادها حياة التوبة فتكون شاهد لعمل المسيح وتجذب إليها ا لآخرين.

2- والتوبة هي “مخافة الرب وحياة القداسة”:

فيقول إشعياء: “قدسوا رب الجنود فهو خوفكم وهو رهبتكم”. (إش 8: 13).

فكثيرون هذه الأيام يتحدثون عن التوبة بمنتهى البساطة إن التوبة هي دموع وتسمير مخافة الله في القلب كقول داود النبي: “سمر خوفك في لحمى” (مز 118). والقداسة هي ثمرة مخافة الرب، أما الاستهتار في التوبة وتسهيلها يؤدى إلى عدم المخافة وسرعة العودة للسقوط.

3- والتوبة هي السير في نور السيد المسيح:

“الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا ً عظيما ً . الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور” (إش 9: 2).

هل يوجد تعبير للتوبة أجمل من تعبير إشعياء، أي أنها الانتقال من الظلمة للنور ومن الموت للحياة.

“لأن ابني هذا كان ميتا ً فعاش وكان ضالًا (في الظلام) فوجد (في النور)” (لو 15: 24)…

4- والتوبة فرح:

“عظمت لها الفرح، يفرحون أمامك كالفرح في الحصاد كالذين يبتهجون عندما يقتسمون غنيمة” (إش 9: 3). فدموع التوبة دموع مفرحة، وتعب الرجوع لحضن الآب ينتهي بفرح الأحضان والقبلات وذبح العجل المسمن، وقد قال الآب: “ينبغي أن نفرح” (لو 15: 23). “إنه فرح الملائكة” (لو 15: 7، 10)، ” وفرح الجيران” (لو 15: 6)، وفرح الآب نفسه وفرح الابن (لو 15: 23- 25)، إن أفراح التوبة هي ثمرة الروح القدس العامل في الكنيسة- لذلك كنيسة بلا توبة في حياة أفرادها هي كنيسة بلا فرح، والعكس صحيح لأنه ليس هناك مصدر لفرح الروح القدس في الكنيسة إلاَّ توبة أولادها- فهيا بنا يا إخوتي في فترة الصوم نفرح الآب والسماء والملائكة والقديسين والكنيسة، ونفرح نحن بفرحهم.

5- والذين يلجئون لغير الله فليس لهم فخر (إش 8: 19):

الذين لم يرجعوا عن الطلب إلى أصحاب التوابع والعرافين… وأي شيء آخر غير الله- أي لم يتوبوا- فليس لهم فجر ولا حياة في النور مع السيد المسيح.

6 – أخيرا ...

ليست التوبة فقط هي البعد عن الخطية ولكنها هي أيضاf ً الحياة الإيجابية مع السيد المسيح. وهذا أروع ما كتب عنه إشعياء في نهاية نبرات يوم الاثنين:

” ويولد لنا ولد ونعطى ا بنا ً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيب ا مشيرا ً إلها ً قديرا ً أبا ً أبديا ً رئيس السلام. لنمو رياسته وللسلام لا نهاية” (إش 9: 6).

هذه الآية هي ختام لنبوة يوم الاثنين، حيث يبدأ أسبوع التوبة (الابن الضال) الذي هو صفة الصوم كله. وليتك تتأمل الربط العجيب بين الحديث عن الابن الضال ونبوات هذا اليوم…

التي تنتهي بالقول: “والسلام لا نهاية له لأنه ولد لنا ولد و أعطينا ا بنا ً هو ملك السلام”.