الأحد الخامس للصوم الكبير | أحد المخلع
تري أية نظرة هذه التي يوجهها الرب نحو هذا المريض الملقي على الفراش لمدة 38 سنة، وقد أوضح الرب بعد ذلك أن الخطية هي السبب الرئيسي لهذا المرض المضني (لا تعود تخطئ). ومن المؤكد أن الرب نظر إليه نظر إليه نظرة السامري الصالح وهي نفس النظرة التي نظرها يسوع لأرمله نايين.
أن منظرنا ونحن منطرحين على فراش المرض، وشلل الأعضاء عن العمل الروحي وعدم القدرة على السير في طريق الفضيلة، أو تحريك اليدين للصلاة، أو الرجلين للسجود، أو العينين في النظر إلي فوق، وفقد كل مقدرة على الحركة نحو الله، هنا الشلل الروحي يثير شفقة الرب نحونا جدا، فيوجه إلينا نظرة وحنان مملوءة شفاء ويقترب منا ليقول (أتريد أن تبرأ).
فالسيد لا يسألنا عن حالنا في الخطية، ولا يثير أسئلة كثيرة عن المرض، لكنه يتكلم مباشرة عن الشفاء وعن أدوية الخلاص.. أنها قضية خلاصنا وأرادتنا، هو جاء ليخلصنا ولكن ليس لنا أن نتمتع بشيء من كل من كل هذا إلا بإرادتنا الخاصة وقبولنا واستجابتنا وجهادنا، فإرادة الإنسان هي المسئول الأول.. فالمسيح لا يغصب أحد ولا يضغط على أحد، واقف يقرع على الباب، بل العكس قد جاء خصيصا ليمنحنا حرية إرادتنا التي أستعبدها الشيطان.. فالإنسان له أرادة الشفاء، والشفاء الحقيقي هو أن تقبل إرادتنا عمل نعمة المسيح الفادي وقوة خلاصه المحيي، حينئذ تصبح إرادتنا مقدسة وقوية بالمسيح قادرة على هدم حصون الشرير والخطية، وتصبح مشيئة الله فينا هي مسرتنا وإرادتنا لأنه هو العامل فينا أن نريد وأن نفعل، وهذا التوافق في أن تصبح مشيئة المسيح وإرادته هي ما نريده نحن، هو تمتعنا بالشفاء والخلاص والسلام، لذلك نصلي (لتكن مشيئتك)..
وفي هذه المعجزة (معجزة شفاء مفلوج بركة بيت حسدا) صورة حية لعمل السيد المسيح داخل الكنيسة، أنه الطبيب الحقيقي الذي لأنفسنا وأجسادنا وهو مدبر كل ذي جسد وهو الذي يتعهدنا بخلاصه، إذ يغفر الخطايا واهبا النفس الشفاء متمتعة بالبنوة لله وبأبوة الله لها، وفي هذا نجد مثالًا لأنفسنا الراقدة المريضة وقد خارت قواها، وها هي تتقدم في الأحد الخامس من الصوم إلي الطبيب الكامل ليهبها الشفاء، بعد استعدادها وطلبها للملكوت وبعد غلبتها ورفضها المشورة الشريرة، وبعد توبتها ورجوعها إلي بيت الآب، متمتعة بالماء الحي الذي من يشربه لا يعطش أبدا.
لقد شفي الرب أولًا جسد مفلوج بيت حسدا (يوحنا 5)، ثم طالبه ألا يخطئ بعد أنه محب البشر الذي يقدم لكل ابن ما هو لبنيانه، يتعامل مع كل مريض حسب ما يتناسب معه، وهذا المفلوج الذي له 38 عامًا في المرض ليس له من يسنده ولا من يعينه، تحطمت نفسه، فهو محتاج إلي مجيء السيد إليه، وشفاء جسده وحياته الداخلية.
وهوذا مرض بيت حسدا يصرخ اليوم يشكو من أنانية الإنسان (ليس لي إنسان)، ولكن في الوقت الذي يتخلي فيه الجميع، نجد الرب واقفا يحمل أمراضنا ويتحمل أوجاعنا، هو أقرب من الصديق، قريب للذين يدعونه، ينصف مختاريه الصارخين إليه، يأتينا في الهزيع الرابع وبعد 38 سنة لأنه رجاء من ليس له رجاء ومعين من ليس له معين، يسعي وراء الرافضين (السامرية)، يذهب إلي المقيدين (المفلوج)، ويعلن ذاته حتى لغير المؤمنين (المولود أعمي) إنه الخادم الحقيقي.
فلا يأس ولا فشل بعد، لقد قام المخلع وحمل سريره بعد 38 سنة مرضًا، بعد 38 شللًا وخطية، ولنسحب أنفسنا مع أصحاب الساعة الحادية عشر، لأنه ليس في المسيحية شيخوخة ولا يأس، بل أمل متجدد، أنها لا تعرف التوقف أبدا أنها جديدة في كل صباح وهي من دور إلي دور.
0 comments