Saturday, November 23, 2024
x

البابا تواضروس الثانى: يهمنى الوطن قبل الكنيسة..

كل انتخابات نبحث عن برامج المرشحين.. أما السيسى فنعيش فى برنامجه عمليًا

– عمليات تفجير الكنائس لم تكن موجهة للأقباط بل محاولة لإسقاطنا فى الحرب الأهلية

– مش بنبنى الكنائس فانتازيا ولا عشان نتفرج عليها وإحنا بس اللى نحدد احتياجاتنا.. والدولة كانت تبنى لنا الكنائس بمشقة وكأنها تتفضل علينا

– زمنى غير زمن البابا شنودة ومعطياتى مختلفة هو شهد رئيسين وأنا عاصرت أربعة

– مش معقول مفيش مسيحى لعب كورة شراب فى الشارع.. ليه الدورى مفهوش أقباط؟

– لدينا 100 حزب سياسى كرتونى وكلها بير سلم.. أتمنى أن أرى حياة حزبية حقيقيةتولى البابا تواضروس الثانى فى نوفمبر 2012، منصب بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ليكون البابا 118، وجاء فى مرحلة من أكثر المراحل ارتباكا وخطرا فى تاريخ مصر، تولى منصبه بعد رحيل البابا شنودة الثالث، وفى مرحلة سياسية مضطربة، شهدت حكم الإخوان، ومعها واجهت مصر تحديات بصعود الجماعات الإرهابية. وعلو النبرات الطائفية، وتعرضت الكنيسة لهجوم من قبل الجماعات المتطرفة، وتمسك البابا بحكمة مستمدة من تاريخ الكنيسة المصرية ووطنيتها، ونجح فى التعامل مع هذه التحولات، قدم الوطن على كل ما عداه وصلى على الشهداء وتمسك بالدعاء لإنقاذ مصر، لتعبر ومعها الكنيسة والأزهر هذه الفترة الحالكة. تولى البابا تواضروس أو عطية الله منصبه بالقرعة الهيكلية ليمثل اختيار الأرض والسماء، ويواصل ما تعلمه من حكمة على يد أبيه الأنبا باخوميوس، أستاذه ومعلمه ويدير الكنيسة فى أصعب وقت تمر به، ويؤكد على دور الكنيسة الوطنى.

جاء البابا تواضروس بعد البابا شنودة الثالث، ومع ذلك يرى أن لكل بابا شخصيته، مؤكدا أنه من تلاميذ البابا الراحل، وفى عام حكم الإخوان تعرضت الكنيسة للهجوم، بكى إلى الله لكى يرفع عن كنيسته هذا البلاء، فرفعه الله عن مصر كلها، وظهر البابا ممسكًا بيد شيخ الأزهر ليعلن اصطفافه خلف خارطة الطريق وتحالف 30 يونيو.

وبسبب ذلك الموقف استهدف الإرهابيون الكنائس وقدمت الكنيسة الشهداء، وكان البابا تواضروس على نهج سابقيه يعلى الوطنية المصرية، متمثلا المقولة الحكيمة للبابا شنودة الثالث، مصر ليست وطنا نعيش فيه ولكنها وطن يعيش فينا. ومازال قداسة البابا تواضروس يواصل قيادة الكنيسة متمسكا بالحكمة والوطنية. وهو ما يجعل حديثه تعبيرا على مصر الوطن المتسامح القوى لكل مواطنيه.

بتواضع الرهبان، فتح البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية قلبه كما كنيسته، لم يتوقف أمام استفسار ولم يجذع من كثرة الأسئلة، انتقل فى حوار الـ70 دقيقة مع اليوم السابع من الدين إلى السياسة، ومن السينما إلى الكنيسة، عبر عن رأيه بشجاعة ولم يخشَ مزايدات تنتظره فى الخارج أو أصوات متشددة فى الداخل.

رأى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أعاد العلاقة بين الدولة والكنيسة لصوابها، واعترف فى الوقت نفسه أن بعض العقول المنغلقة تنشر حوله الشائعات وهى تخشى على كنيستها من الضياع، رغم أن إيمان الأرثوذكس راسخ وعقيدتهم مثل الجبال لا يهزها ريح ولا تغيرها أزمنة، فى هذا الحوار يجيب البابا تواضروس وجيه الكنيسة الذى صار عطية الله عن أسئلة المصريين لا سيما الأقباط.

وإلى نص الحوار:

فى البداية ننطلق من الحدث.. بعد أيام تجرى الانتخابات الرئاسية فى الداخل.. ماذا يقول البابا؟

– بلا شك نحن أمام رئيس متميز، الظروف والأقدار وضعته أمامنا، اكتسب خلال شهور قليلة محبة الشعب، وهو ما ظهر خلال الفترة الرئاسية الأولى بالتعاطف الشديد الذى حصده الرئيس السيسى الذى اعتبرناه هدية من السماء لإنقاذ مصر، الرئيس لا يمثل نفسه، بل يمثل المدرسة التى تخرج منها، وينتمى إليها، ويعتز بها كما نعتز جميعًا بالقوات المسلحة المصرية.

كيف تقيم السنوات الأربعة الفائتة فى حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى؟

– نحن مع كل انتخابات يهمنا أن نعرف ونقرأ برنامج المرشح، ولكن مع الرئيس السيسى نحن نشاهد برنامجا عمليا على الأرض طوال أربعة سنوات مليئة بالإنجازات فى كل المجالات والمنصف لتاريخ الوطن يسجل السنوات الأربعة الماضية تسجيلا خاصا جدًا، الرؤساء السابقون صنعوا إنجازات، ولكن فى مدى زمنى طويل، أول اعتبارات النجاح هى حساب عامل الوقت، ولأن هذا الرئيس اهتم بعامل الوقت فهى شهادة نجاح له، فهو ليس مجرد إنجاز بل بقدر ما هو ملتفت جدًا لقضية الوقت باعتبارها علامة تقدم الشعوب، مثلما يقال التوقيت المصرى كدلالة على عدم الالتزام بالوقت.

كبطريرك للكنيسة القبطية.. كيف انعكست السنوات الماضية على أوضاع الأقباط فى مصر؟

– الرئيس السيسى أعاد العلاقات بين الكنيسة والدولة لصوابها، وقبل ذلك كانت منقوصة، الرئيس السيسى أعاد الصواب لحركة الوطن، تمثل ذلك فى التهنئة بالعيد كل عام، وإحقاقا للحق فإن الرئيس السابق عدلى منصور قد زارنا فى المقر الباباوى ليلة العيد خلال فترة ولايته وأبدى مشاعر طيبة، وجود الرئيس السيسى فى الكاتدرائية ليلة عيد الميلاد فرصة طيبة ليهنئ المصريين بالسنة الجديدة من خلال وجوده بالكاتدرائية، والملفت أن المسلمين أكثر فرحًا بزيارة الرئيس السيسى للكاتدرائية أكثر من المسيحيين، ووقت العيد تتابع المقاهى زيارة الرئيس بشكل واسع، يشاركنا فى الأحداث الكبيرة، مثل التعزية فى شهداء ليبيا وفى الهجوم على الكنائس أكثر من مرة، وهى مشاركة إنسانية ولها أثر طيب بلا شك.

إلى أى مدى انعكست تلك العلاقة الطيبة على واقع الأقباط على الأرض؟

– إلى حد كبير، خاصة الفكر الذى يعبر عنه الرئيس فيقول دائمًا إننا واحد، ويتذكر وقوفه أمام الله وهى عبارة جديدة على مسامعنا من المسؤول الأول فى البلد، وشهدت انتخابات مجلس النواب تمثيلا إيجابيا للأقباط حتى وإن كانت نسبتهم قليلة، ولكنها تعكس صورة طيبة عن وجود الأقباط جوار المسلمين، بالإضافة إلى إصرار الحكومة على إصدار قانون بناء الكنائس فهى خطوة غير مسبوقة، وبالإضافة إلى إصلاح الكنائس التى تعرضت للحرق والتدمير على يد الإخوان، والدولة جددت الكنائس على أعلى مستوى وشعب الكنيسة سعيد جدًا بذلك، ثم الإعلان عن إنشاء مسجد كبير وكاتدرائية فى العاصمة الإدارية، والإعلان عن ذلك ليلة العيد ثم الصلاة فيها ليلة العيد ونستقبله بفرح طاغٍ، وأظن أن الرئيس نفسه كان سعيدًا، فالعمل الذى تم بواسطة هيئة الأشغال العسكرية فى تلك الكنيسة مبهر جدًا، ويؤكد رسالة التنوع، فالوطن لن ينجح إلا بهذا التنوع، وعلى سبيل المثال لماذا نجحت أمريكا رغم أن عمرها 300 أو 400 سنة، لأنها قبلت التنوع، المجتمع الذى يقبل التنوع يتقدم إلى الأمام.

على ذكر قانون بناء الكنائس.. كيف تقيمه بعد مرور عامين على صدوره؟

– الكنائس كانت تبنى بالخط الهمايونى منذ أيام الحكم العثمانى، وهذا الحق لم يكن يعطينا الحق فى بناء الكنيسة كأن الدولة كانت تتفضل علينا بذلك، ونصف المشاكل والفتن الطائفية والخلافات كانت بسبب بناء الكنائس وهو أمر عليه علامة استفهام كبيرة ماذا يضيرك كمسلم أن نبنى كنيسة؟ معنى وجود قانون أن هناك حقا، فإذا قابلت مسؤولًا متعسفًا أستطيع أن أقاضيه بناء على هذا القانون.

ولكن هناك من يشكو من بعض الصعوبات فى تطبيق القانون؟

– لابد من وجود فترة مرحلية بين إصدار قانون وبين 160 عاما بلا قانون، فمن الطبيعى أن تمر علينا ثلاث أو أربع سنوات انتقالية بين صدور القانون وبين تفعيل القانون على الأرض، والقانون شقان، الأول بناء كنائس جديدة، وهو فى سلطة المحافظ فهناك محافظون متفاهمون ونبهاء ولا أعنى التفاهم مع الأقباط بل يتفهم مجتمعه، فالمحافظ الذى يتفهم الأمر يتفق مع جميع الأجهزة وتصدر قرارات بناء الكنيسة خلال شهرين أو ثلاثة، وطبعًا نواجه العكس ولكننى أؤمن أن هذا الأمر مرحليًا.

يعالج قانون بناء الكنائس أزمة الكنائس غير المرخصة.. فكيف تم بناء كل هذا العدد؟

– الشق الثانى فى القانون هو ترخيص الكنائس التى أقيمت بأى وسيلة أخرى غير القرار الجمهورى، بعض الكنائس بنيناها بالتفاهم مع الأمن أو السلطات المحلية أو استخدمنا أساليب متعددة أيا كانت وهى الكنائس التى تشكلت بها لجنة من مجلس الوزراء لتقنين أوضاعها، وبالفعل أخذنا فرصة سنة كاملة جمعنا فيها بيانات تلك الكنائس وقدمناها للحكومة، وهى تقترب من 3 آلاف كنيسة، وجود كنائس غير مرخصة دليل على المتاعب التى كنا نعانى منها فى إنشاء الكنائس، وهو فى حد ذاته دليل إدانة للوضع السابق، و3 آلاف كنيسة تم بنائها على مدى عشرات السنين، ولا يستطيع أن يحدد أحد احتياج مجتمع أو قرية لكنيسة غير الكنيسة نفسها هو أنا هبنى كنيسة فانتازيا، وهبنى الكنيسة عاشان إيه هتفرج عليها؟ أكيد محتاجها، ومعظم الكنائس غير المقننة ستجدها صالة أو غرفة مثل شقتين تم فتحهما على بعضهما البعض، أنا شخصيًا صليت فى كنائس مساحتها 70 مترا، والشعب يقف يصلى على السلالم.

هل ترى أن تلك الإجراءات تعطل ترخيص الكنائس؟

– اللجنة الوزارية تبحث فى قانونية هذه الكنائس عبر عدة معايير وهو أمر بالغ الأهمية والدقة، فقبل صدور قرار تقنين الكنيسة لابد أن نتأكد من أن إنشاءاتها سليمة، فنراجع أوراقها وملكيتها ووجودها على أرض تسمح بالبناء، ومؤخرًا أصدرت اللجنة قرارا بترخيص 53 كنيسة وهو خطوة إيجابية.

ما الذى تبقى إذن من مطالب الأقباط؟

– اللى فاضل الفكر أو التعليم أن نعلم أبناءنا الصغار فى المدارس ألا ينظروا لقضية الدين أبدًا، بل معيار الكفاءة فى الإنسان، ولا يصبح عامل الدين هو معيار تصنيف البشر، والنقطة الثانية على الإعلام والثقافة أن يتمتع بالحياد فى إظهار شخصية الإنسان المصرى، سواء مسلم أو مسيحى، نشعر بالتمييز فى بعض القصص والأفلام والمسلسلات، وأنت كإعلامى أو صحفى حين تخاطب شعب مصر عليك أن تضع فى اعتبارك أن الأغلبية مسلمين ومسيحيين، تصور مثلًا فى عيد القيامة المقبل تأتى وتهنأنى بعيد الميلاد، هذا دليل على عدم التقدير، هناك بعض المسؤولين ينظرون للشخص بعين الدين وليس الكفاءة أنا شاطر بس يا خسارة مسيحى، نسمعها كثيرًا فى الجامعة وبعض الأعمال وهى ثقافة نحاول أن نغيرها فى هذا المجتمع.

بم توصى يا قداسة البابا فى هذا الملف؟

– هو أمر يحتاج خطة طويلة المدى، على سبيل المثال رحلة العائلة المقدسة نحتفل بها فى الكنيسة منذ القرن الأول الميلادى، ولدينا عيد سنوى هو عيد دخول المسيح أرض مصر، ننادى بالاهتمام بهذا المسار لأنه ميزة تنافسية لمصر فى العالم كله، ثم جاءت الاستجابة متأخرة جدًا ولكنها جاءت، وهو ما أؤكد عليه الفكر، يمكننا أن ننظم زيارات لشجرة مريم وحدها، من فى العالم كله يزور شجرة مثل شجرة مريم؟ ويأخذ منها البركة ويتلقط صورًا جوارها، مصر غنية جدًا، فعلى الإعلام أن يعرف أن التنوع إضافة لمصر، معرفة الآخر غنى وإضافة للإنسان، يهمنى أن يزور كل المصريين كل الأديرة القبطية، نحن نعيش على أرض مصر ولا نعرف أن لدينا أول دير فى العالم من القرن الرابع الميلادى، ترهبنت فى دير الأنبا بيشوى الذى بنى وبه حياة رهبانية عامرة منذ القرن الرابع، أليس هذا فخرًا لمصر؟!

البعض يرى أن علاقة الكنيسة والدولة تضر بمصالح الأقباط؟

– نحن لا نملك إلا المحبة تجاه كل الناس، ولدى ضمير حى، وحين أرى شيئًا غير مناسب ضميرى سيتكلم وحين ينعم الله علينا بعلاقة طيبة بين الدولة والكنيسة، ألا يفرحنا هذا؟ أن نعيش فى علاقة سلام أم أن علاقة التوتر هى التى تفرح الناس؟، أعتبر التفاهم مع الدولة نعمة من الله، لدينا رئيس متفاهم وبه ميزة هى أن هذا الرئيس السيسى منفتح على الجميع سواء أزهر أو كنيسة أو فن أو الأمهات، هو فعلًا يحقق فكرة مصر للجميع.

حين تقابل الشباب القبطى بعد الحوادث الإرهابية.. كيف تنظم خطابك فى تلك اللحظات؟

– فى ذهنى أحاول ألا أقع فى فخ مسيحى ومسلم ويهمنى الوطن قبل الكنيسة، الوطن يمثل البيت، فحين ننتهى من أعمالنا نذهب لبيتنا وعنواننا، وربنا ما يسمحش وميكتبش علينا بنشوف فى سوريا اللى بيحصل فى عفرين، شىء يبكى، ليلة الاثنين خرج 6 آلاف شخص من عفرين، الوطن أولًا هو الأمان والسكن وكل شىء، والأحداث التى تستهدف الكنائس أفهم تمامًا مع قطاع عريض من المصريين أنها ليست موجهة للأقباط ولكن للوطن، ما الهدف من هذه الأحداث إلا أن دا يمسك ف دا وتضيع البلد، فى التاريخ الحديث عام 1975 حدث خلاف صغير بين مسيحى ومسلم فى لبنان تفجرت الحرب الأهلية فى لبنان 15 سنة، وربنا ما يسمحش، فى بلادنا نتفهم ذلك تمامًا وهى أهم نقطة فى حياتنا المصرية.

فى تقديرك هل لمست تغيرًا فى علاقة أقباط المهجر بمصر فى السنوات الأخيرة؟

– أرفض كلمة أقباط المهجر، لأن هناك مسلمين هاجروا أيضا من مصر، ولكننا نسميهم بأقباط المهجر، لأن الكنائس المصرية فى الخارج تجمعهم، السفراء فى كل دولة حين يريدون مخاطبة الأقباط يذهبون لكنائسنا وهى ميزة وجود الكنائس القبطية المصرية فى الخارج، وكنائسنا سفارات شعبية لمصر، وتعامل السفراء مع الكهنة والأساقفة فى الخارج تعاون كامل وفى الكثير من المواضع، هجرة الأقباط بدأت من حوالى 50 أو 60 سنة، وهى هجرة ارتبطت بأزمات الوطن، مثل ثورة 1952 يخاف الأقباط فيهاجرون، ثم قوانين التأميم، وبعدها حرب الستة أيام، وحرب 1973 واغتيال الرئيس السادات، ثم موجة عنف الثمانينات، خروجهم من مصر مرتبط بأزمة وخبرة سيئة وحين ذهبوا للخارج وجدوا جوا مفتوحا وحرية كاملة، المواطن الأجنبى يستطيع أن يقف فى أى مكان ويشتم رئيسه وهو أمر يختلف عنا هنا، لذلك الاهتمام بهم هنا خفف حدة ما يشعرون به تجاه مصر، ظلوا مرتبطين بالوطن حتى أن كثيرًا منهم يطلب دفنه فى مصر.

كلامك يعنى أن شكل العلاقة بين الأقباط المهاجرين والدولة قد شهد طفرة إيجابية؟

– الرئيس السيسى كون جهازًا استشاريًا من علمائنا فى الخارج وهو احترام وتقدير لهم، وجود وزارة الهجرة وما تفعله الوزيرة من ربطهم بالوطن أمر رائع، ونحن كمصريين نحب بلادنا، لنا أب واحد فى مصر اسمه نهر النيل، وأم واحدة هى الأرض، والثالوث المصرى أرض ونهر وإنسان، ونعيش فى مساحة %8 من الأرض ونتراص حول نهر النيل، واللبنانيون مثلًا هاجروا من بلادهم من أكثر من 200 سنة، نحن شعب لا يحب الهجرة بل مرتبطون بالأرض، ومهما هاجر المصرى تظل مصر رقم 1 فى حياته، حتى وإن كانت هجرته بسبب ظلم أو متاعب، توالى الزيارات للأقباط فى الخارج وفتح الباب لهم، وتشجيعهم فى الاستثمار ومخاطبة الرئيس لهم، كل هذا أسهم فى أن يشعروا أنهم جزء من الوطن.

تكرر كثيرا القول مصر احتلت ولكن الكنيسة لم تحتل من قبل، ماذا تعنى تلك العبارة؟

– الكنيسة القبطية تأسست منذ القرن الأول الميلادى، وبدأت مصرية خاصة، ومنذ تكوينها ليس لها علاقة بالحكم المدنى ولا تسعى للسلطة بل هى عملها روحى وتخدم المجتمع، إذا كان المجتمع يحتاج للتعليم نبنى له مدرسة وإن كان يحتاج للعلاج نبنى له مستشفى، وتعرضت الكنيسة المصرية على مدار تاريخها لمحاولات استقطاب وضم، كانت آخر تلك المحاولات حين آتى مندوب قيصر روسيا لبابا الكنيسة البابا بطرس الجولى وعرض عليه الانضمام لكنيسة روسيا الأرثوذكسية الكبيرة والمنطق يقول نعم للانضمام، البطريرك بطرس الجولى سأل المندوب الروسى بكل شجاعة: من هو القيصر؟، فقال له قيصر روسيا، سأله هل يموت؟ قال نعم، فرد نحن فى حمى ملك لا يموت، وبقيت الكنيسة مصرية، وكل الاستقطابات التى حدثت فى التاريخ من أجل احتلال الكنيسة وضمها لكنائس أخرى، وعلى هذا الأساس بقيت الكنيسة مستقلة رغم أن الوطن احتل من الروم واليونانيين والفرس والعثمانيين فى أوقات كثيرة ومعروفة فى التاريخ وظلت الكنيسة مستقلة.

هناك قنوات قبطية تبث بالخارج.. إلى أى مدى يعبر هذا الإعلام القبطى عن توجهات الكاتدرائية؟

– فى مصر لدينا 5 قنوات، مى سات وأغابى تابعتان للكنيسة، وقناة كوجى للأطفال وقناة إنجليزية cyc وقناة ctv ويشرف عليها أب أسقف أيضًا، وهدف هذه القنوات تقديم خدمة روحية والتفاعل مع أحداث الوطن وقناة الأطفال هدفها تربوى وروحى، أما باقى القنوات فليس لنا سلطان عليها ولا أعرف مين اللى فيها حتى؟.

مصر مقبلة على تحولات كبيرة بعد الانتخابات الرئاسية.. هل يشجع البابا تواضروس الأقباط على المشاركة فى العمل الحزبى؟

– أشجع كل المصريين على المشاركة فى حركة الوطن والمجتمع ولا أشجع التوجهات الحزبية القائمة على الدين، كأحزاب إسلامية ومسيحية فقط لأن ذلك يؤخر الوطن، أتمنى أن تتأسس فى مصر أحزاب قوية وأن أقول بكل فخر إننى أنتمى لحزب كذا، مثلما نسمع فى بعض البلاد، أتمنى وجود قواعد أصلية وأساسية لا تعيش سنة أو سنتين، لدينا أكثر من 100 حزب لا نعرف أسماءها، وهناك أحزاب تحت بئر السلم والحكاية مش كده، مصر تستحق ما هو أكثر من ذلك، فقد كان هذا البلد على قمة هرم الحضارة فى العالم، فمصر بطبيعتها ودورها وجغرافيتها مهيئة للريادة، كان يزورنى سفير كوريا قبل حوارى معكم، قلت له ساعدونا فى مجال التعليم، فقال لى يصفوننا بالمعجزة الكورية ومعملناش معجزة ولا حاجة، لذلك يهمنى أن أفتخر بالتعليم المصرى وبالتاريخ.

كيف تعلم الكنيسة شبابها التاريخ المصرى؟

– على سبيل المثال، نحتفل ككنيسة هذا العام بعدة احتفالات مثل مرور 1950 سنة على استشهاد القديس مارمرقس فى شوارع الإسكندرية ومرور 100 سنة على تأسيس مدارس الأحد و50 سنة على تأسيس الكاتدرائية وظهور العذراء فى كنيسة الزيتون، فقررنا أن نربط احتفالات الكنيسة باحتفالات الوطن، وأعلنا عن مسابقة تصوير فوتوغرافى لكل الشباب مسلمين ومسيحيين باسم مصر الجميلة، وقسمناها ثلاثة فروع مصر الحجر ونعنى الآثار، ومصر البشر ونعنى الناس، ومصر القمر ونعنى الطبيعة، فى نيتنا أن نطبع كتابًا بالصور الفائزة ونطبع كروت بوستة بهذه الصور نقدمها لزوارنا فى الكنيسة من الأجانب والسياح، للمساهمة فى التعريف بمصر والترويج لها سياحيًا.

على ذكر مدارس الأحد، ينظر لمدارس الأحد إلى جانب التعليم الدينى أنها عزلت الشباب عن المجتمع أكثر من مشاركتهم فى المجال العام؟

– مدارس الأحد القصد منها نظام تعليمى كنسى أساسى، وهذا النظام يجدد نفسه بنفسه، وأفتخر أننى خريج مدارس الأحد وغيرى كثيرون من الكهنة والأساقفة، مدارس الأحد كنظام تعليمى احتاج بعض الأنشطة، حين كان يشارك بعض الشباب والأطفال فى النوادى والأنشطة العامة فى المجتمع يجدون رفضًا أو صدًا أو طردًا فكانت النتيجة هى تأسيس نوادى التربية الكنسية، الكنيسة كأم حاولت توفير ذلك فمن كل 50 كنيسة ستجدين كنيسة لديها ناد، وهى لم تكن بنية العزل ولكن كرد فعل على ما جرى.

ولكن بعد مرور كل هذا الوقت الانعزال أصبح نتيجة وغاب الأقباط عن الملاعب؟

– لا تسألى الأقباط بل اسألوا الملاعب والأندية، التشجيع أجمل شىء، هل من المعقول كل فرق القدم فى مصر مفيهاش واحد قبطى، مفيش واحد قبطى رجله سليمة ولعب كورة شراب فى الشارع وبقى لاعب، وهو أمر يرجع لإيه؟، ليس للأقباط، إحدى نقاط الضعف فى مجتمعنا هى أننا لا نبحث عن اصطياد المهارات والطاقات، كنت مسؤولًا أيام رهبنتى عن استقبال الزوار، قدم لى شاب يابانى صغير عمره 20 سنة وقال إنه أستاذ دكتور فى جامعة يابانية فقلت له: كيف؟، فأجاب لدينا فى اليابان نظام حين يصل الطفل 10 سنوات تمر لجنة من وزارة التعليم على جميع المدارس تبحث عن المتميزين للغاية وتنقلهم من صف إلى صف فنقلتنى تلك اللجنة من الابتدائى للإعدادى، وكان يبحث فى رسالة الدكتوراه عن المبانى ذات القباب وأخذ أديرة وادى النطرون نموذجًا، هذا الشاب اصطادته الدولة فى اليابان لأنها رأت فيه مستقبلها.

هل مازالت تتمتع الكنيسة بنفس الحظوة فى إثيوبيا وروسيا باعتبارها دولًا أرثوذكسية؟

– الكنيسة لها علاقات طيبة ورائعة بكل دول العالم، شخصيًا زرت روسيا مرتين آخرها استلمت هناك جائزة الوحدة المسيحية بين الكنائس، وقابلت الرئيس بوتين، وزرت إثيوبيا وقابلت رئيسها، والقائم بأعمال الشؤون الخارجية هناك، ولنا علاقات طيبة ولكن المجتمعات نفسها تغيرت على سبيل المثال كانت إثيوبيا منذ السبعينيات تعيش تحت حكم الإمبراطور هيلاسيلاسى وكان هناك تناغم بين البطريرك الأرثوذكسى والإمبراطور وكانوا يقابلوننى قائلين الإسكندرية أمنا ومارمرقس أبونا، وظل الوضع قائمًا حتى انفصال الكنيسة الإثيوبية عن كنيستنا، ثم جاء حكم شيوعى واغتيال هيلاسيلاسى، وتدمرت الكنيسة وضعفت الدولة هناك ودخل الفكر القبائلى لديهم، والكنيسة لم تعد فى إثيوبيا قوية كالستينيات، هيلاسيلاسى شهد افتتاح الكاتدرائية مع عبدالناصر والبابا كيرلس هنا، بل أرض السفارة المصرية فى أديس أبابا منحة من البطريركية المصرية هناك.

إلى أى مدى يؤمن البابا بدور الكنيسة الدبلوماسى؟

– نبنى علاقات ونؤثر فى أخرى ولنا دور دولى مهم جدًا، البابا شنودة تولى الكنيسة عام 1971 وكان لدينا فى مصر ثلاثة أساقفة أحدهم فى القدس واثنان فى السودان، أما حاليا فلدينا 33 أسقفا خارج مصر، حتى بلغت الكنيسة دولة بوليفيا، وهى كلها إضافة لمصر، لدينا أساقفة فى أوروبا يوصلون رسائل سياسية هناك، فى إنجلترا الأنبا أنجيلوس حين كنت فى لندن استطاع ترتيب زيارة للملكة إليزابيث والأمير تشارلز بمنتهى البساطة ولديهم علاقات طيبة وقوية، وفى كل زياراتنا بالخارج نزور المسؤولين، وأتذكر رئيس دولة أوروبية زرتها فى يونيو 2014 قطع أحد الرؤساء إجازته وجاء يسألنى: هل هى ثورة أم انقلاب؟ ليرسم سياسة بلاده تجاه مصر، لأن الإعلام الغربى تسبب فى التشويش على حقيقة الأوضاع، وجاءنى السفير المصرى هناك وقال لى: قداستك عملت حاجات أنا مقدرش أعملها فقلت له لم أتعلم الدبلوماسية ولا حاجة.

– يحاول البابا تواضروس بناء علاقات مع كنائس أخرى ولكنها تواجه داخليًا من تيارات متشددة.. هل الكنيسة لديها تياران تقليدى ومجدد؟

ليست تيارات، بل البعض لديهم عقول منغلقة ولم يتعودوا على فكرة الانفتاح على العالم، كنيستنا عمرها أكثر من ألفى سنة ومثل الجبل، وأصحاب العقول المنغلقة يخشون ذوبان الكنيسة أو ضياعها أو أن أحدًا يشتريها، مثل كنيسة روسيا العظيمة عمرها نصف عمر كنيستنا، وبالتالى نحن نقف على أرض صلبة، وكنيستنا الأرثوذكسية مستقيمة الرأى تحفظ الإيمان مستقيما عبر الأجيال ولدينا تقاليد راسخة عمرها ألفا عام، وعلى سبيل المثال تقاليد انتخابات البطريرك، بعض العقول لا تستطيع أن تتفاعل مع اللحظة، وهو ما يحله الزمن.

معنى هذا أن أصحاب العقول المنغلقة يؤثرون على الكنيسة؟

– نعم يتداولون أخبارًا كاذبة وشائعات على السوشيال ميديا والناس تصدقها، ولكننا بنعمة ربنا عارفين طريقنا ومستقرون وكنيستنا قوية جدًا وتقاليدها حاكمة.

هل دفعتك أزمة استقالة الأنبا آبرام للتفكير فى السماح للأساقفة بالاستقالة؟

– لم تدفعنى إلى شىء، الاستقالة كلمة مش موجودة فى الكنيسة، والأنبا آبرام تراجع وأسماها بعد ذلك خلوة مفتوحة ثم قرر العودة.

من يختار أساقفة المهجر؟ سمعنا أن أستراليا طلبت تغيير الأنبا دانييل أسقف سيدنى بسبب بعض المشاكل!

– لا أحد يتدخل فى الاختيارات إلا المجمع المقدس، وتغيير الأنبا دانييل مجرد شائعة.

فى ظل توقف المجلس الملى عن العمل منذ سنوات، من يدير أموال الأقباط؟

– مفيش حاجة اسمها أموال الأقباط، كل كنيسة لديها مجلس يديرها، وأمين صندوق بالانتخاب والتعيين، 70 كنيسة فى الإسكندرية تخضع لمراجع حسابات وهو أمر لم يكن موجودا من قبل.

هل حدث موقف تمنيت فيه أن يكون البابا شنودة حاضرًا معك؟

– لا لم يحدث، كل زمن له معطياته، وزمننا هذا مختلف عن زمن البابا شنودة بل وأزمنة البابا شنودة لأنه عاش أربعين سنة، وقيل لى بعد أربع سنوات من تجليسى إن البابا شنودة عاش 40 سنة عاصر رئيسين، أما أنا فجلست أربع سنوات وعاصرت أربع رؤساء وهو أمر مختلف كليا.

منذ ثلاث سنوات، أقر المجمع المقدس تعديلات قانون الأحوال الشخصية ومازالت القضية عالقة.. متى يصدر القانون؟

– بعدما أقر المجمع المقدس القانون، نصحتنا الدولة بالاتفاق مع باقى رؤساء الطوائف لإصدار قانون موحد، ومازال هناك نسبة الـ%10 عليها اختلافات،بين الطوائف المسيحية حتى اليوم.

أزمة دير وادى الريان.. هل لفتت نظر قداستكم لإعادة تقييم قضية الأديرة غير المعترف بها؟

– عند إنشاء دير لا بد من الحصول على إذن منا، نعطى فترة سماح عدة سنوات نتعامل فيها مع الدير كمشروع تحت التأسيس، ولابد أن يكون فيه حياة رهبانية وروحية منتظمة صلاة الساعة 4 صباحا وقداس الصبح، ونظام، وعليه أن يستقبل إخوة رهبان تحت الاختبار، ثم أشكل لجنة من الآباء الأساقفة ليكتبوا تقريرًا عن الدير، ثم يدخل لجنة شؤون الرهبنة ونحصل على قرار بناء على تصويت اللجنة.

متى يحصل دير وادى الريان على اعتراف المجمع المقدس بعدما صار تابعًا لرعاية الأنبا مكاريوس؟

– أمامه وقت طويل حتى يحصل على اعتراف المجمع.

متى تتسلم الكنيسة رفات شهداء ليبيا؟

– نتمنى ذلك، نستقبلهم بكل الإكرام والتقدير وفى كنيستهم التى بنيناها لهم باسم شهداء ليبيا.

بم يحلم البابا تواضروس للكنيسة القبطية؟

– سلام مصر وانتهاء كل عنف فيها، وأن نلتفت للعمل والبناء والتنمية، ومستوى دخل الفرد يزيد، وأن يتوفر التناغم الوطنى فى كل المجالات فى الفن والقضاء والثقافة والدين، وأحلم أن اسم مصر يرتفع عاليًا، أكثر ما يتعبنى أن اسم مصر يشوه فى الخارج حين تحدث أزمة هنا.

ماذا يقرأ قداسة البابا؟

– أحب الثقافة العامة، والأعمال القصصية، وبعض المقالات الصحفية مثل كتابات مصطفى الفقى وصلاح منتصر، وأسماء أخرى، ومن قبل كنت أحب أن أقرأ لعبدالمعطى حجازى، وحين كان يتوفر لدى الوقت كنت أقرأ للدكتور زكى نجيب محمود وقرأت كثيرا ليوسف إدريس ونجيب محفوظ وطه حسين ومجلة ناشيونال جيوجرافيك.

هل تشاهد أفلامًا سينمائية؟

– أحب أن أتابع قنوات عربية وأجنبية، وأحيانًا أشاهد لقطات عابرة ولكن كنت مغرمًا بقراءة القصص قبل أن تتحول لأفلام والقصص أجمل من الأفلام، وأحب الأعمال الكوميدية مثل نجيب الريحانى وعادل إمام، وأحب الشخصية المصرية الخفيفة، وأعشق الأبيض والأسود لأنه تاريخ قبل أن يكون سينما فيعكس شكل الشارع والسيارات والملابس.

لدى البابا تقاليد كنسية كل عام، كأن يقضى قداسات أسبوع الآلام فى الإسكندرية، هل ستكرر الأمر رغم محاولة اغتيالك العام الماضى؟

– نعم سأعيد تقاليدى هذا العام، وسأصلى فى الإسكندرية.

وجه كلمة للأقباط فى عيد القيامة

كل قيامة وأنتم طيبين، وعيد القيامة يرتبط بالربيع وعيد الحياة القديمة ونصلى ونقول يارب اجعل كل أيامنا أعياد، وهو عيد يأتى بعد صوم 55 يوما من الصوم النسكى، وتبدأ فترة الخماسين المقدسة ويزور الآباء الأساقفة أبناءهم فى الخارج، وفى نهاية الخماسين يأتى المجمع المقدس، وفى منتصف مايو هذا العام سنحتفل فى فترة الخماسين، وعبر السنة كلها فعاليات نرتبط بهذه الاحتفالات.