“ثقافة التضرع”… العظة الأسبوعية للبابا تواضروس الثاني
بسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد آمين، تحل علينا رحمته ونعمته من الآن وإلى الأبد آمين.اتكلمت في الأسبوعين الماضيان مع حضراتكم عن نوعين من الثقافة الروحية “ثقافة التطوع” الإنسان الذي يقدم وقت وجهد، و”ثقافة التبرع” الإنسان الذي يقدم من ماله وامكانياته، اليوم سوف اتحدث من الناحية الثقافية عن “ثقافة التضرع” الصلاة التي من أجل الأخرين، في التطوع الصلاة تبارك الوقت، وفي التبرع الله يبارك المال الذي عند الإنسان. الصلاة هى الوسيلة التي نتواصل بها مع الله وهى امكانية رائعة، العالم يجتهد أن يبتكر وسائل اتصال مختلفة ولكن الله أعطانا الإمكانية الفائقة أن تحدثه في أي وقت وأي مكان ومتاحة دائمًا ومهما كانت لغتك وتعبيراتك بسيطة إلا أنها أمام الله عظيمة، قول لأحد القديسين” الصلاة بمثابة النفس للمؤمن، والصلاة بمثابة البخور أمام الله والصلاة بمثابة السوط للشيطان” نقول في المزمير”لِتَسْتَقِمْ صَلاَتِي كَالْبَخُورِ قُدَّامَكَ ” وفي نفس الوقت الصلاة هى القوة المخيفة للشيطان وأكثر شيء يريده الشيطان أن يعطل روح الصلاة التي فينا، يريد أن يقطع خط الأتصال الذي بينك وبين الله والمفتوح كنعمة للإنسان، ولا أحد يستطيع أن يمنعك من الصلاة، أريد أن اركز على”ثقافة التضرع” بمعنى الصلاة من أجل الأخرين،أنك تتضرع من أجل الأخرين بالأسم.١- هى اختبار محبة: لا استطيع أن أصلي لأحد لا أحبه، واذا تسرب لقلبي عدم محبة سوف تجد نفسك لا تقدر أن تصلي، وهنا تظهر أشكال من الخطية، فالصلاة من أجل الأخرين هى اختبار محبة للإنسان، الله يريد قلبك محطة حب لكل إنسان حتى المختلف عنك ” لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ ” الله أحب العالم فأنت المخلوق لا تحب العالم؟! الله أحب العالم كله بأختلاف الأجناس والألوان واللغات ، أنت يجب تكون إنسان تملك الطاقة لتحب الأخرين.٢- قلبك حساس: أحيان تطوع بجهدك أو مالك أو خبرتك هذا جانب ولكن الجانب الأخر أنك تقدم كل هذا لأجل البشر ويجب أن تسندها بقلبك الحساس، ربنا يحفظكم هناك قلوب قاسية جافة وهناك قلوب انانية لا تهتم بالأخر وينطبق على الشعوب والدول ولكن العالم يعلمنا أنه يجب أن نتعاون مع الجميع ويجب أن يكون قلبي يشعر بالنعمة التي يعطيها لك الله وبالأخرين المحرومين من النعمة، تخيل أنه يوجد أكثر من مليار من البشر في العالم لا يجدوا ماء الشرب، لذلك ثقافة التبرع تعني أن يكون لدى الإنسان حساسية قلب، قلب يفكر كيف يساعد الأخر ويرفع صلاة خاصة من أجلهم لكي ما يرتب له البشر والله احتياجة، من المشروعات الجميلة في مصر قاموا ببناء صوامع لحفظ القمح لنوفر الفاقد، ثقافة التضرغ أن تصلي بقلب حساس من أجل احتياجات الأخر.٣- ثقة في يد الله أنه يستطيع أن يعمل ما ليس في يد الإنسان: ” غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ ” ارفع قلبي واصلي من أجل الأخر وواثق أن يد الله تستطيع أن تعمل ” فَإِنَّ اللهَ الَّذِي أَعْبُدُهُ بِرُوحِي، فِي إِنْجِيلِ ابْنِهِ، شَاهِدٌ لِي كَيْفَ بِلاَ انْقِطَاعٍ أَذْكُرُكُمْ ” ” اُذْكُرُوا الْمُقَيَّدِينَ كَأَنَّكُمْ مُقَيَّدُونَ مَعَهُمْ، وَالْمُذَلِّينَ كَأَنَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا فِي الْجَسَدِ “.+ بعض مشاهد من الكتاب المقدس١- أيام صموئيل النبي في عصر القضاة وصموئيل كان أخر قاضي والشعب هاج وطلب ملك واختير شاول كأول ملك لبني أسرائيل وجاء صموئيل ليسلم شاول المملكة وينسحب فقال” وَأَمَّا أَنَا فَحَاشَا لِي أَنْ أُخْطِئَ إِلَى الرَّبِّ فَأَكُفَّ عَنِ الصَّلاَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ ” برغم أنه غير مسئول لكن اعتبارها خطية أن يتوقف عن الصلاة من أجلهم، وثقتي أن يد الله تستطيع أن تعمل. ٢- صورة ثانية من صور الصلاة من أجل الأخرين هى صورة الأم التي قدمت دموع كثيرة من أجل ابنها، أغسطينوس كان محامي وكان معجب بنفسه وكان يريد أن يرتقي وسافر إلى ميلانو ووجد القديس امبروسيوس أسقف ميلانو خطيب عظيم فاعجب به فذهبت أمه مونيكا إلى ميلانو وظلت تصلي لأبنها ووصلت للأسقف ورأى الدموع في عينها وقال لها “ثقي أن ابن هذه الدموع لا يمكن أن يهلك” أم تصلي من أجل ابنها شيء قوي، احيانا الأباء والأمهات يكتفوا بالنصيحة الشفوية ولا نهتم برفع قلبنا في صلاة قوية وهذه الصلاة يمكن أن تغير في الإنسان تمامًا ولكن أحيانًا ونحن نصلي لا نصلي بالقدر الكافي، أحب أن اذكركم بكلمة من حياتنا اليومية “اذكرني في صلاتك” وبرغم أنها عبارة صغيرة لكن لها مفعول كبير جدًا وعندما يطلب منك أحد أن تذكره في صلاتك في نفس اللحظة ارفع قلبك بصلاة من أجله، ورفع الصلاة باحساس من أجل الأخرين كانها شفاعة من أجل الأخرين أمام الله، (الله يقبل الله يعمل والله يستجيب )هذا الأمر من أجل الإنسان وأنه يتمتع وعلم أولادك كيف يصلوا من أجل الأخرين.٣- مشهد من العهد الجديد “بطرس الرسول” كان صياد سمك وكان دائما مندفع يقول السيد المسيح ” وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ ” وبعد قيامة السيد المسيح وعندما كان بطرس في السجن ” وَأَمَّا الْكَنِيسَةُ فَكَانَتْ تَصِيرُ مِنْهَا صَلاَةٌ بِلَجَاجَةٍ إِلَى اللهِ مِنْ أَجْلِهِ ” وعندما خرج بطرس قال ” أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ مَلاَكَهُ وَأَنْقَذَنِي مِنْ يَدِ هِيرُودُسَ ” الصلوات جعلت بطرس يفرج عنه، الصلاة من أجل الأخرين والصلاة بلا نهاية، أحيانًا من خطايانا الكثيرة يا أحبائي أن يكون نفسنا قصير، الإنسان باصرار الصلاة واللجاجة والله يستجيب.٤- “بولس الرسول” مثال أخر:ارسل لأهل أفسس” مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ، وَسَاهِرِينَ لِهذَا بِعَيْنِهِ بِكُلِّ مُواظَبَةٍ وَطِلْبَةٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيلِ ” لأنه كان في السجن، بولس الرسول كتب ١٤ رسالة أجملهم رسالة أفسس(المحبوبة)، الكنيسة عندما تصلي الأواشي تذكر البابا البطريارك والمطارنة والاساقفة والكهنة والخدام وتخصص صوم كامل من أجل كل من هم في الخدمة (صوم الرسل) لأن الصلاة لها قوى، أجعل صلواتك صلوات حارة وأجعلها شكل من أشكال الثقافة الدائمة تعيش معك.٥- “السيد المسيح في الصلاة الوداعية” في (يوحنا ١٧) كان يصلي ويقول” لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ … وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هؤُلاَءِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلاَمِهِمْ ” كان يصلي من أجل التلاميذ ومن أجل كل أحد.٦- أمثلة كثيرة في الكتاب المقدس “دانيال النبي” عندما ذهب سبي بابل وكان وحيد وبعيد عن بلده ” فَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَى اللهِ السَّيِّدِ طَالِبًا بِالصَّلاَةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ، بِالصَّوْمِ وَالْمَسْحِ وَالرَّمَادِ … يَا سَيِّدُ، حَسَبَ كُلِّ رَحْمَتِكَ اصْرِفْ سَخَطَكَ وَغَضَبَكَ عَنْ مَدِينَتِكَ أُورُشَلِيمَ … يَا سَيِّدُ اسْمَعْ. يَا سَيِّدُ اغْفِرْ. يَا سَيِّدُ أَصْغِ وَاصْنَعْ. ” جميل دانيال وهو يصلي من أجل بلاده البعيدة ومن أجل الشعب وبرغم أنه الاسير ولكنه لا يكف عن الصلاة، هى الصلاة التي لا يستطيع أحد أن يحرمك منها في أي وقت يمكن أن ترفع قلبك بصلاة يجب أن تكون حارة، التضرعات تتضرع من أجل الأخر ويجب أن تعلم أولادك كيف يصلوا من أجل الأخر، أسلوب المسيح هو الصلاة وهو شيء مهم لنا وكما يعلمنا الأنجيل أن الصلاة قوى قادرة لا نراها، يوم السبت سوف نحتفل بعيد القديس الأنبا رويس قديس المكان وكانت قوته أنه إنسان مصلي، الصلاة تضرع من أجل الأخرين، هذه الثقافات حبيت اتأمل معكم فيها وسوف نكتفي بهم بحيث يكونوا منهج عمل لنا كلنا. لإلهنا كل مجد وكرامة من الأن وإلى الأبد آمين.
0 comments