Saturday, September 21, 2024
x

الكنائس تحيى ذكرى «العشاء الأخير» بـ«طقس غسل الأرجل»

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بـخميس العهد، غدًا، تخليدًا للعشاء الربانى الأخير للمسيح مع تلاميذه، والذى يشتهر بـخدمة غسل الأرجل للأقباط والشمامسة.

تعود جذور طقس غسل الأرجل فى المسيحية إلى الكتاب المقدس، عندما غسل السيد المسيح أرجل تلاميذه خلال العشاء الأخير معهم.

ويشير إنجيل يوحنا إلى أن المسيح فعل ذلك لـتقديم مثال على التواضع وتأكيد أهمية خدمة الآخرين والمساواة بين جميع الناس.

وفسّر السيد المسيح لتلاميذه هذا التصرف قائلًا: ليس عبد أعظم من سيده ولا رسول أعظم من مرسله، فإن كنتم قد عرفتم هذا فطوبى لكم إذا عملتم به. ويتبنى العديد من الكنائس المسيحية ممارسة الطقس اقتداءً بالمسيح، إذ يتولى الأسقف أو رجال الدين أو رؤساء الأديرة خدمة الغسل للشمامسة والأقباط فى خميس العهد من كل عام، وذلك قبل يومين من الاحتفال بعيد القيامة المجيد.

وتُمارس العديد من الكنائس المعمدانيّة الإنجيلية أيضًا غسل الأرجل بانتظام، ويعتبر كذلك من الفرائض الدينية فى الرهبنة البندكتية التابعة للفاتيكان.

وتاريخيًا، استمرت ممارسة هذا الطقس حتى بعد رحيل رسل المسيح الاثنى عشر، أو نهاية ما يسمى العصر الرسولى.

وتحرص الكنيسة على هذا الطقس منذ القرون الأولى للمسيحية، وهناك من يمارسه فى وقت المعمودية أيضًا وليس فى خميس العهد فقط، خاصة فى دول شمال إفريقيا، وفرنسا وألمانيا وميلانو وشمال إيطاليا وأيرلندا.

.. والأقباط يزفون يهوذا بـالمقلوب: وضع يليق بالخائن

عندما أراد الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم التعبير عن الخيانات والمؤامرات التى تُحاك ضد الشعب، كتب: مليون يهوذا خان أمانك وانهلك، وفى رواية خالتى صفية والدير لـبهاء طاهر، نجد المقدس بشاى يشبه حنين، الذى كلفته صفية بالثأر، بأنه مثل يهوذا.

هكذا، تم تخليد اسم يهوذا كعنوان على الخيانة فى التراث الشعبى والدينى، لأنه كان تلميذ السيد المسيح الذى باعه لليهود قبل جريمة الصلب، ليصبح واحدا من أشهر الخونة فى التاريخ البشرى على الإطلاق.

يهوذا فى المسيحية اسم مكروه لا يطيقه مسيحى واحد على وجه الأرض، وخصصت له الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، يومًا لصب الويلات على رأسه، فى عادة على غير عادتها، التى تتمثل فى المسامحة والغفران.

يهوذا.. هو أحد تلاميذ المسيح الاثنى عشر، ويسمى أيضا يهوذا سمعان، ويُلقب بـالإسخريوطى لأنه من مدينة قريوط أو قريوت، فى جنوب مملكة يهوذا، التى جاء ذكرها فى العهد القديم بالإنجيل.

وحسب نصوص الإنجيل وإيمان المسيحيين، فإن يهوذا هو التلميذ الذى خان يسوع وسلمه لليهود مقابل ثلاثين قطعة من الفضة، ثم ندم بعد ذلك على فعلته ورد المال لليهود، وذهب ليقتل نفسه. وبعد قيامة يسوع من الموت اختار الرسول متياس بديلا عن يهوذا ليكون من جملة الاثنى عشر.

وعلى الرغم من أن اسم يهوذا باللغة العبرية يعنى الحمد، وعلى الرغم أيضًا من أن هناك قديسًا بالكنيسة يحمل نفس الاسم، وهو يهوذا تداوس، إلا أن الكنائس المسيحية فى كل مكان بالأرض، خاصة القبطية الأرثوذكسية، حذرت المسيحيين من تسميه أبنائهم بالاسم، لعدم التشبه بالخائن، الذى باع المسيح، وعليه فلا يوجد مسيحى واحد اسمه يهوذا.

بدورها، امتنعت الكنيسة عن تسمية الكنائس أو القساوسة أو الأساقفة أو الشمامسة بهذا الاسم، عقابا له على فعلته، ولينقطع نسل اسمه من الوجود.

كنسيا، لخصت الكنيسة أزمتها مع يهوذا فى صلاة باكر من خميس العهد، من خلال مشهد تمثيلى لتأنيبه على فعلته، بوضع قطعة من اللحن الحزين باسم يوداس- تبكيت يهوذا، لتُتلى أثناء دوران الرعاة والشمامسة بالكنيسة بشكل عكسى من اليسار إلى اليمين، وذلك بعكس كل زفات الكنيسة المعتادة.

من جانبهم، يقرع الشمامسة نواقيسهم بشكل مقلوب أيضا، فينتج صوت نشاز وسيئ يليق بالخائن يهوذا.

ويكتمل المشهد بإحضار أحد الشماسين وإلباسه تونية – وهى الزى المُخصص للشمامسة- ولكن بالمقلوب، ثم يسير أمامهم بظهره، استحضارا لصورة يهوذا.

تاريخيا، تدين الكنيسة لـيوحنا، أصغر تلاميذ المسيح، بمعرفة نوايا يهوذا قبل اختياره ضمن الاثنى عشر، إذ ذكر بعض الإشارات التى تفصح عن شخصيته الشريرة منذ البداية.

ووفقا لما ورد بإنجيل يوحنا، ففى مجمع كفر ناحوم، رجع كثيرون من التلاميذ عن يسوع، ثم أكَّد بطرس ولاءهم له، فأجابهم: أليس أنى أنا اخترتكم الاثنى عشر وواحد منكم شيطان؟.

يعلق يوحنا قائلًا: قال عن يهوذا سمعان. لأن هذا كان مزمعًا أن يسلمه وهو واحد من الاثنى عشر، مبينًا أن يسوع عرف مسبقًا أن الإسخريوطى كان واحدًا من الذين رجعوا إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه.

ومع أن يهوذا كان أمينًا للصندوق، إلا أنه تجاهل تحذيرات يسوع من مغبة الطمع والرياء، فاستغل الأموال لحسابه، ولتغطية جشعه تظاهر بالغيرة على الصندوق، وعندما دهنت مريم قدمى يسوع بالطيب تساءل: لماذا لم يبع هذا الطيب بثلاثمائة دينار ويُعطى للفقراء؟، ويشير إنجيل يوحنا إلى أنه: قال هذا ليس لأنه كان يبالى بالفقراء بل لأنه كان سارقًا.

وهناك فئة واحدة تبرئ يهوذا من خيانته للمسيح، وهى الغنوسية، المنشقة عن المسيحية، لأنها تؤمن ببعض الممارسات اليهودية بجانب المسيحية لتصنع مزيجا مشوها من الديانتين.

ويؤمن الغنوسيون بأن يهوذا برىء من تهمة الخيانة، وبأنه إنما قام بفعلته تلك لخدمة سيده المسيح. وتذهب جماعة القاينيين الغنوسية إلى أبعد من ذلك فتبجل شخص يهوذا، وتعتبر أن تسليمه يسوع للموت كان لـغاية نبيلة هى تخليص العالم من الخطيئة، لذك تطالب باحترام وتقديس يهوذا، بل شكره على مساعدته المسيح.

ويزعم هؤلاء أن يسوع كان خائفًا مما هو مقدم عليه، فخشى أن يتراجع نهائيًا عن فداء البشر، لذلك خانه أو سلمه لرؤساء الكهنة لكى لا تعاق عملية الخلاص.

بطاركة مصر: اليهود متورطون فى صلب المسيح

خلال أسبوع الآلام، الذى نحييه هذه الأيام، يتجلى الدور التاريخى للكنيسة المصرية وبطاركتها فى التصدى لإسرائيل، وكشف محاولتها المزيفة لارتداء ثوب الحملان أمام العالم، خاصة مع إيمان الكنائس المسيحية بأن اليهود هم المحرك الأول لجريمة صلب المسيح.

واتخذ البطاركة المصريون، طوال تاريخهم، مجموعة من المواقف التاريخية ضد الصهيونية وعنصريتها، وكشفوا كذب مزاعم اليهود بأنهم شعب الله المختار.

البابا كيرلس السادس، بطريرك الأقباط الأرثوذكس رقم 116 فى تعداد بطاركة مصر، كان له موقف مستميت أمام محاولات اليهود للتبرؤ من دماء المسيح.

وفى فترة كيرلس التى استمرت من 1959 إلى 1971، أصدر المجمع المُقدس، الذى ضم كل مطارنة وأساقفة الكنيسة المصرية فى عهده، بيانًا رسميًا أعلن رفض الكنيسة تماما تبرئة اليهود من دم المسيح.

وفوق ذلك، أيدت الكنيسة المصرية فى نفس الموقف، شقيقتها الأنطاكية كنيسة السريان الارثوذكس، فى عهد البابا السريانى الأسبق مار أغناطيوس يعقوب، الذى كان له نفس الموقف.

فى الستينيات، وإبان فترة كيرلس أيضا، ألقى الأنبا شنودة، أسقف التعليم، – والذى أصبح فيما بعد بابا الإسكندرية- محاضرة فى 26 يونيو عام 1966 بنقابة الصحفيين تحت شعار إسرائيل فى نظر المسيحية، كان لها تأثير كبير على الحضور، حتى إن نقيب الصحفيين وقتها حافظ محمود قال: سمعت كثيرًا عن إسرائيل ومثل الليلة لم أسمع قبل، ثم طالب بترجمة المحاضرة، وتوزيعها على السفارات المصرية فى كل أنحاء العالم.

بعد 5 سنوات، وعندما جلس الأنبا شنودة على كرسى البطريركية، وأصبح البابا شنودة، ألقى محاضرة أخرى فى النقابة أيضا بعنوان المسيحية وإسرائيل، وذلك فى 5 ديسمبر عام 1971.

وفى المحاضرة- التى صدرت فى كتاب بعد ذلك- شرح البابا كل المعتقدات الصهيونية الخاطئة وكشف مزاعمهم، قائلا: فكرة شعب الله المختار كانت لفترة معينة ولغرض معين وانتهت، وإسرائيل الحالية ليست شعب الله المختار، واليهود جاءوا إلى فلسطين بوعد من بلفور، وليس بوعد من الله.

محاضرة ثالثة لـالبابا شنودة كانت هذه المرة فى أكاديمية ناصر العسكرية، فى 14 مايو 2002، وأوضح خلالها أن تعبير مسيحية صهيونية يمكن أن يُطلق على بعض الدول سياسيًا، وليس على المسيحية كدين، لأن أول شعب اضطهد المسيحية هم اليهود، مشددا على أنه لا توجد مسيحية صهيونية فى الشرق الأوسط على الإطلاق.

وفى مايو 1977، التقى شنودة الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، فى مايو 1977، على هامش إحدى الزيارات الرعوية لبلاد المهجر، فى حضور سفير مصر بأمريكا حينها أشرف غربال، وجرت مناقشة علاقة اليهود بالمسيحية.

وأثناء اللقاء سأل كارتر البابا شنودة: ما رأيك فى مقولة إن إسرائيل هى شعب الله المختار؟، فرد البابا شنودة على الرئيس الأمريكى: إذا كانت إسرائيل هى شعب الله المختار، فأنا وأنت خارج هذا الشعب.

وأوضح: مما لا شك فيه أنه فى وقت من الأوقات كان بنو إسرائيل هم شعب الله المختار، ولكن ذلك حينما كانت الشعوب تؤمن بالآلهة الوثنية، لكن الآن كل من يؤمن بالله فهو يحسب من المؤمنين، لأن الله لا يعرف التمييز أو المحاباة.

وحتى عندما قدم الكاردينال الألمانى بمجمع الفاتيكان بيا، عام 1963، وثيقة لتبرئة اليهود، رفضت الكنيسة المصرية هذا، وأيدت الوثيقة النهائية الرسمية التى أقرت بدور اليهود فى صلب المسيح، وبرأت الأجيال اللاحقة منهم من وزر هذه الجريمة.