Saturday, November 23, 2024
x

من يعرف الشهيد القبطى اسكندر طوس ؟ الذى استشعر قضاة الحرج فى الحكم فى قضيته؟

لا أظن أحدا يعرفه بإستثناء أفراد أسرته وزبائنه. ارتبط اسم اسكندر طوس بأحداث جسيمة تحدثت عنها وسائل الاعلام، الا أنني بحثت عن صورة شخصية له وأية تفاصيل عن حياته فلم أجد. بالطبع وسائل الاعلام لها أولوياتها: اذا أصيبت نجمة سينمائية بالتواء في قدمها أو اذا سرت شائعة بأن وزيراً قد تزوج سراً من سكرتيرته أو حتى اذا قرر لاعب كرة شهير أن يقضى أياما في فيلته بالساحل الشمالي بغرض الاستجمام، كل هذه موضوعات يعتبرها الاعلام مهمة وجذابة، أما اسكندر طوس فليس في حياته كلها ما يصنع خبرا واحدا مثيرا. كل ما نعرفه عن اسكندر طوس أنه يبلغ من العمر ستين عاما، وأنه حلاق، لكن صالون الحلاقة الذي يمتلكه ليس في حي راق بالقاهرة أو الاسكندرية حيث الأغنياء ونجوم المجتمع، وإنما في قرية نائية مهجورة اسمها دلجا في محافظة المنيا. بصراحة اسكندر طوس شخص غير مهم. انه واحد من ملايين المصريين البسطاء الذين قدر لهم أن يعيشوا ويبحثوا عن الرزق ويخوضوا نضالا مريرا من أجل مجرد البقاء على قيد الحياة، ومع ذلك فلا أحد يشعر بهم. اسكندر مثل ملايين الفقراء الذين يتحدث عنهم المحللون الإستراتيجيون باستفاضة في الفضائيات ويضعهم السياسيون جميعا في برامجهم الانتخابية، لكن أحدا في الواقع لا يعبأ بهم. كيف هي حياة اسكندر طوس؟ لقد بلغ الستين، وهي سن يراود فيها الانسان هاجس الموت ويتمنى حسن الختام ويفكر في مصير أولاده بعد موته. اسكندر الحلاق لا بد أن تكون علاقته طيبة بسكان القرية الذين هم زبائنه. أتخيل عم اسكندر وهو يعمل طوال النهار وربما يستريح قليلا عندما تنقطع الزبائن ثم يخرج غداء بسيطاً صنعته زوجته، أتخيله وهو يفتح محله في ليالي الأعياد الإسلامية والمسيحية حين يصحب الآباء أولادهم من اجل «حلقة» العيد. عم اسكندر غالباً ما كان يحلق للمخبرين وأفراد الشرطة مجاناً اتقاءً لشرهم وتقرباً منهم، فهؤلاء قد يكونون مفيدين وقت الحاجة، وخصوصاً أن اسكندر قبطي في قرية ذات أغلبية مسلمة. سكان بلدة دلجا 120 ألفاً، يبلغ عدد الأقباط 20 الفاً، والباقون مسلمون، وهم ليسوا مسلمين عاديين، وإنما معظمهم من أنصار «الاخوان المسلمين»، كانوا يؤمنون ان محمد مرسي هو الخليفة المنتظر الذي سيعيد مجد الاسلام ويجعل «الاخوان» أساتذة العالم كله. لما ثار المصريون ضد مرسي وعزلوه وانضم لهم الجيش أصيب أنصار «الاخوان» في دلجا بغضب بالغ وسافر الآلاف منهم للمشاركة في اعتصامي رابعة والنهضة. ثم عندما تم فض الاعتصامين بواسطة الامن اعتبر أنصار «الاخوان» في دلجا ذلك حرباً على الاسلام الذين يعتبرون أنفسهم الممثلين الوحيدين له. توجه أنصار «الاخوان» الى مساجد القرية وصعدوا الى المنابر وأعلنوا الجهاد، أنصار «الاخوان» في دلجا جميعاً مسلحون، بمن فيهم النساء وأحيانا الاطفال. خرجوا من المساجد وقد تملكتهم حماسة الجهاد وأحسوا أنهم يخوضون غزوة مباركة فهاجموا قسم الشرطة في قرية دلجا وأحرقوه وسيطروا عليه. أصبحوا السلطة الحقيقية الوحيدة في القرية، وصار بإمكانهم ان يفعلوا ما يشاؤون، ولأنهم يعتبرون الاقباط كفاراً يعبدون الصليب، ولأن البابا تواضروس وافق على عزل مرسي واشترك في خارطة الطريق، مثلما وافق واشترك شيخ الأزهر ومعهما 33 مليون مصري، فقد اعتبر أنصار «الاخوان» أن حربهم مقدسة ضد الاقباط: هاجموا كل الكنائس في دلجا ونهبوها بالكامل ثم أحرقوها ومن ضمنها الدير الاثري الذي أنشئ منذ 1400 عام، وله قيمة أثرية لا تعوض، ثم توجهوا بعد ذلك الى الأقباط، فكانوا يخرجونهم من بيوتهم ثم ينهبون البيت أمام أهله وبعد ذلك يضرمون فيه النار. وقد أدت هذه الاعتدءات الرهيبة الى هجرة عشرات الأسر القبطية خارج القرية، لكن أقباطاً كثيرين لم يكن باستطاعتهم الفرار فاضطروا الى الإذعان لأنصار «الاخوان»، ورأوا كنائسهم وبيوتهم تنهب وتحرق فلم يعترضوا بكلمة، بل إنهم قبلوا أن يدفعوا أتاوة لأنصار «الاخوان» حتى يكفوا أذاهم. هنا لا بد أن نذكر ان الاعتداءات الطائفية على الأقباط لم تتوقف قط منذ ثلاثين عاماً، فقد حدثت أثناء حكم مبارك ثم استمرت أثناء حكم المجلس العسكري وحكم «الاخوان»، وها هي تنتشر الآن في أنحاء الصعيد بعد سقوط مرسي.. المعتدون على الأقباط غالباً ما يفلتون من العقاب لأن الحكومة المصرية بدلا من تنفيذ القانون وتقديم المعتدين الى العدالة تعودت أن تضغط على الأقباط ليعقدوا جلسات صلح عرفية مع المعتدين عليهم، تنتهي دائماً بحديث رائع عن الوحدة الوطنية وتبادل الأحضان والابتسامات أمام الكاميرات ثم ينصرف الجميع وينسون الموضوع، حتى تحدث موجة جديدة من الاعتداءات تستدعي عقد مجالس صلح جديدة.

بعد عزل مرسي اعتدى أنصاره على الأقباط في معظم محافظات الصعيد. لم يكن هدفهم الانتقام من الاقباط وترويعهم فقط، وإنما استفزازهم لكي يردوا العدوان عليهم فتنزلق مصر الى حرب طائفية يريدها «الاخوان» ويسعون اليها بإلحاح. على أن الاقباط تصرفوا بوعي وطني رفيع، فلم يردوا العدوان ورأوا كنائسهم تحترق أمام أعينهم، فلم يتورطوا في قتال المتطرفين، على أن ما حدث في دلجا كان أخطر من أي مكان آخر، لأن أنصار «الاخوان» طردوا الشرطة تماماً من القرية، وقاوموا بالسلاح دخول الجيش، فانفردوا بحكم القرية بلا منازع. صارت اختيارات الاقباط في دلجا محددة ومحدودة: إما الهجرة خارج القرية وإما دفع أتاوة مالية باهظة يومياً من أجل حماية بيوتهم وأسرهم.

اسكندر طوس الحلاق تصرف بطريقة مختلفة. فهو لا يتصور أبداً ان يترك قريته التي عاش فيها حياته، وهو لا يعرف مكاناً آخر يذهب اليه، كما انه فقير لا يستطيع أن يدفع الاتاوة من اجل حماية أسرته. جاء أنصار «الاخوان» وطلبوا من اسكندر الخروج من بيته مع أسرته حتى ينهبوا البيت ويحرقوه كما فعلوا مع عشرات الاقباط. ماذا فعل اسكندر طوس حينئذ؟ ربما وقف ليحمي بيته ورفض الخروج منه. ربما صاح معترضاً، وربما نظر للمعتدين متحدياً، وربما أفلتت منه كلمة لم تعجبهم. أياً كان الذي فعله اسكندر طوس أو قاله فقد فهمه أنصار «الاخوان» باعتباره تحدياً سافراً لهم من نصراني كافر، وهم يخوضون جهادهم المقدس. لا بد إذن من عقاب شديد لهذا النصراني، يجعله عبرة بعد ذلك لأي كافر يتحدى الاسلام والمسلمين؟ أمسك أنصار «الاخوان» بعم اسكندر الحلاق وأشبعوه ضرباً وركلاً وصفعاً وجرجروه على أرض الشارع ثم برك بعضهم عليه وأمسك الآخرون بأطرافه ثم ذبحوه. نعم ذبحوه بالسكين من الوريد، الى الوريد كما يذبح الجزار الخروف في عيد الأضحى.

هل خطر بذهن اسكندر طوس أنه سيدفع حياته ثمناً لاعتراضه على نهب بيته؟ ماذا قال لهم عندما تأكد أنهم سيذبحونه؟ هل توسل إليهم لكي يتركوه حياً من أجل أولاده؟ بماذا فكر اسكندر عندما تلقى أول ضربة سكين على رقبته؟ هل استمر الألم طوال عملية الذبح أم أنه أسلم الروح من ضربة السكين الأولى؟ هذه أسئلة لن نعرف إجابتها أبداً. ما نعرفه أن أنصار «الاخوان» ذبحوا اسكندر وتعمدوا ألا يفصلوا رأسه تماماً، ثم اتفقوا مع صاحب جرار زراعي، وأوثقوا المذبوح من قدميه وسحلوه. وهكذا رأى أهل القرية اسكندر طوس الحلاق للمرة الاخيرة مذبوحاً مسحولا خلف جرار بينما رأسه المقطوعة تتأرجح والدم يسيل منه غزيراً فيصنع خطوطاً على الأرض.

بعدما انتهى أنصار «الاخوان» من موكب المذبوح ألقوا بجثة اسكندر في الشارع فلم يجرؤ أحد من أهل القرية على الاقتراب منها خوفاً من أن يلقى مصير اسكندر، وفي النهاية جاء رجل طيب (مسلم) وقام بدفن اسكندر في مقابر الصدقة المسيحية. لكن أنصار «الاخوان» عادوا بعد قليل لما اكتشفوا أنهم نسوا تصوير اسكندر وهو مذبوح فقاموا بإخراج جثته مرة اخرى وصوروها بتلفوناتهم المحمولة حتى اكتفوا، وكاد أحدهم يتسلى بإطلاق الرصاص على الجثة لولا أن منعه زملاؤه (ربما توفيراً للذخيرة).

هكذا انتهت حياة اسكندر الحلاق في قرية دلجا. إنه يرقد الآن في مقابر الصدقة بعد ان تم ضربه وذبحه وسحله على مرأى من المارة وتصويره بعد التمثيل بجثته.

ماذا فعل اسكندر طوس حتى يلقى هذا المصير؟ صحيح أنه انسان غير مهم وفقير ومن طبقة اجتماعية متواضعة وليس له معارف في الأوساط العليا، لكنه كان رجلاً شريفاً مجتهداً يعمل بإخلاص مقابل بضعة جنيهات يومياً ينفقها على أولاده .ألم يكن من أبسط حقوق اسكندر طوس أن يعامل باحترام وإنسانية؟ ألم يكن من حقه على الدولة التي يدفع ضرائبها ان تحمي حياته وبيته وممتلكاته البسيطة؟ واذا كان قدره أن يموت ألم يكن من حق اسكندر أن يموت بكرامته فيودع الدنيا بطريقة كريمة كما يليق بأي انسان؟ كيف يشعر أولاده وقد رأوا أباهم مذبوحاً وجثته مسحولة يتفرج عليها الناس ويصورونها بهواتفهم؟ في أي بلد يتم ذبح المواطن وسحله لأنه اعترض على نهب بيته، وفي أي دين تكون حياة الانسان رخيصة لهذه الدرجة فيتم ذبحه لأنه قال كلمة أو نظر نظرة لم تعجب أنصار «الاخوان»، ألم يسمع أنصار «الاخوان» عن قيمة النفس الانسانية في الاسلام؟ ثم هل تحولت دلجا الى إمارة اخوانية وهل عجز المسؤولون في الشرطة عن الدخول اليها أم أنهم آثروا السلامة وتركوا أقباط دلجا لمصيرهم؟ منذ أعوام قام أحد المتطرفين بقتل مروة الشربيني في ألمانيا فقامت الدولة الألمانية كلها ولم تهدأ الا بعد أن نال قتلة مروة جزاءهم العادل، لكن اسكندر طوس يذبح في بلده وسط قريته فلا يتحرك مسؤول واحد ولا تنشر الصحف عنه إلا كلمات قليلة. الفرق بين مروة واسكندر أنها قتلت في بلد يحترم الانسان بينما اسكندر تم قتله في مصر حيث قيمة الانسان تتحدد وفقاً لدينه وثروته ومكانته الاجتماعية. سلاماً يا عم اسكندر طوس. نعتذر اليك لأننا لم نستطع أن ندافع عنك كما كان يجب علينا. إنني أدعو المصريين جميعاً، المسلمين قبل الأقباط، الى تبني حملة من أجل رعاية أبناء الشهيد اسكندر طوس وتقديم من قتله الى العدالة. الثورة مستمرة حتى تنتصر مصر على الارهاب وتقيم الدولة المدنية العادلة التي لا يؤذى فيها مواطن بسبب دينه أو أفكاره أو فقره.

مقالة ..كتبها..علاء الأسواني