الكاردينال ساكو..معاناة المسيحيين
منذ “استيراد” أنماط غريبة من التعبير، تحت غطاء الديمقراطية، لمسنا إفساح المجال للتعبير والتظاهر والاعتصام، من أجل استخدامه كواجهة إعلامية فقط، بدون تحريك أي ساكن.
الرجاء ان يؤخذ ما أكتبه الآن على محمل الجد، فمن موقعي الرسمي الكنسي، محلياً وعالمياً، لم يعد بإمكاني السكوت أمام معاناة المسيحيين في العراق. هذا ما سأعرضه أدناه، بشكل صريح ومسؤول.
معاناة المسيحيين
بالنسبة الى الكاردينال لويس روفائيل ساكو، ان معاناة المسيحين بعد دحر داعش، لا تزال مستمرة في عدة جوانب وبقوة، حيث الإرهاب بحقهم لم ينتهِ بعد، والحكومة العراقية لم تتحرك لحد الآن لمعالجة الانتهاكات التي يتعرضون لها من هدم بيوتهم وسرقة ممتلكاتهم، وتزويرها بأسماء آخرين. مما خلق عندهم حالة من الصدمة، والقلق والخوف من المستقبل، وأجبرهم على التفكير بالهجرة: “مهاجرين مؤجلين”، خصوصاً أن هذه الاعتداءات لم تكن متوقعة إطلاقاً!
خطابات المجاملة
زارني مسؤول بمناسبة عيد القيامة، فقال لي العبارة التي بتنا نسمعها بنحو مستمر: أنتم أصل البلاد، فقلت له: “وما الفائدة”!!
أجل، المسيحيون لا يحتاجون إلى المجاملة، بل الى تمثيل حقيقي وفعّال لدى الدولة في أمورعديدة، فالكنيسة لا تتمكن أن تتحمل وحدها كل هذا العبء، خصوصاً في مواجهة الأصولية الدينية، والاستحواذ على ممتلكاتهم، واقصائهم من الدرجات الوظيفية، بسبب المحاصصة، والعقلية الحزبية، والعشائرية والمليشياوية! ولدينا أمثلة موثقة. هذه التجاوزات مستمرة وبنحو متزايد، ولم تعمل الحكومات المتتالية شيئا بخصوص ملاحقة المتجاوزين ومقاضاتهم. أذكر على سبيل المثال لا الحصر “مقتل الطبيب والطبيبة وحماته في المشتل قبل أكثر من عام!
استبعاد الكفاءات المسيحية من مناصبها
ثمة موظفون في الدولة يُستبعدون لانهم مسيحيون ولنا حالات عديدة. في إنتخاب رئيس جامعة الحمدانية، فُضِّل غير المسيحي رغم تفوّق المسيحي بالدرجة العلمية والكفاءة، ونفس الكلام ينطبق على مديرعام يُستَبعد ليأخذ منصبه شخص آخر غير مسيحي. والذريعة هي: لان هذه المديرية هي حصة المكوَّن الفلاني والكتلة الفلانية. والغُبن بحق المسيحيين لا يَستَثني الترقيات رغم استحقاقهم. وفي مجال التعيين، حدِّث ولا حَرَج، بضمنها الوظائف الشاغرة التي أخلاها مسيحيون ممن اُجبروا على اختيار الهجرة. ولا بأس من الاشارة هنا الى أننا طلبنا من إحدى الوزارات توظيف ستة شباب على تلك الدرجات الشاغرة والمتوفرة، وهمَّشَ الوزير على الطلب، مشكوراً قبل سنتين، لكن تبّين عند المتابعة، أن أحد المدراء العامين، رفض تعيينهم وتساءل متهجِّما، وهل بقي مسيحيون للعمل؟ كما يُنقل موظفون مسيحيون من دوائرهم لانهم يرفضون سرقة المال العام!
التطرف الديني
بالرغم من كل الجهود التي تبذلها الكنيسة والمرجعيات الدينية المعتدلة الشيعية والسنية لا تزال ثمة خطابات أو مواقف تبث الكراهية تجاه غير المسلمين، ولم تتخذ الحكومة اجراء بحقهم. الأفكار الأصولية التي بثَّها تنظيم داعش منتشرة ولها بيئة حاضنة. أذكر على سبيل المثال: أن أحد الأساتذة في إحدى كليات بغداد، يستهزئ بالطالبة المسيحية الوحيدة في المرحلة لأنها غير محجبة ويُسمِعهما كلاماً جارحاً عن ديانتها. ولقد أكد عدد من طلبة كليات جامعة الموصل من المكوَّن المسيحي أنهم اُضطرّوا للدوام خلال يومي عيد القيامة (الأحد والاثنين) بسبب الامتحانات التي تم تحديدها في هذين اليومين. ثم لماذا لا يعتبر عيد الميلاد والقيامة عيدين رسميَين اُسوةً “بحزمة سخية” لأعياد الآخرين.
نحن نسكن في حي المنصور، حيث نَصَب أحد الحرّاس في المنطقة مكبراً للصوت “بوقاً” يبث، خارج أوقات الآذان، وبصوت عالٍ نصوصاً من القرآن وأغانٍ، فمن يحاسبه؟
القوانين المجحفة بحق المسيحيين كـ “أسلمة القاصرين” إجباراً عندما يُشهر أحد الوالدين إسلامه بسبب الزواج. والأحوال الشخصية لغير المسيحيين تطبَّق عليهم! وماذا أقول عن مناهج التربية! هذا كله يهدد مستقبلهم وهو نوع من انواع كريستيانوفوبيا؟ لكل هذه الأسباب نجد أن عدد المسيحيين في العراق كان مليوناً ونصف المليون قبل 2003، لكن لم يتبقَ منهم سوى نصف مليون.
التمثيل المسيحي
نحن مغيَّبون، ومن الأفضل الّا تكون لنا كوتا مسيحية، لأنها مُختَطَفة، فمن يدّعون انهم ممثلون عن المكوَّن المسيحي (الكوتا) لم يقدموا شيئاً بسبب مَنْ دَعَمَهم في التصويت، “من خارج المكوَّن المسيحي”. كما أن الوزير المسيحي “الوحيد” في هذه الكابينة الوزارية، غير معروف من قبل المكوَّن المسيحي والمرجعيات الدينية، وهو نسيب نائب من الكوتا، في حين اُستبعد مسيحيون تكنوقراط صامدون ومتمسكون بهويتهم؟
كما أن ديوان وقف الديانات المسيحية والصابئة والإيزيدية، شبه معطَّل، بسبب عدم تخصيص ميزانية مناسبة له، وعليه فليس بإمكانه تقديم شيء ملموس لهذه المكوّنات؟ وهناك جهات تقوم بتعطيل الموافقات ذات الصلة، رغم المراجعات والوعود.
الموقف الحكومي
في ظل الصمت الحكومي عن الانتهاكات المتفاقمة بحق المكوَّن المسيحي، فإن أول ما نطالب به في هذا المقال هو: أن يكون لنا مستشارون حقيقيون لدى الرئاسات الثلاث، وكنتُ قد طلبتُ ذلك من دولة رئيس الوزراء، لكن بدون جدوى! وهنا لابد أن اُشيد بإهتمام فخامة رئيس الجمهورية، الدكتور برهم صالح بمعاناة المسيحيين.
نحتاج الى قنوات اتصال لمتابعة شؤون المسيحيين ومطالبهم، كتشكيل “خلية أزمة” يُرشَّح لها أعضاء من المسيحيين المستقلين عن الأحزاب السياسية. لا يكفي أن يُقال لنا أنتم المواطنون الأصليون، بل نحتاج أن نُعامل كعراقيين ومواطنين بكل معنى الكلمة. فالهنود الحمر، السكان الاصيليون في الامريكتين، لهم حقوق خاصة! ونحن أبعد من أن نصل إلى حقوق مواطن عادي. وحتى المليون دينار الذي كانت وزارة الهجرة والمهجَّرين قد خصصته للعائلات المُهجَّرة لم تستلمه معظم العائلات المسيحية !!
0 comments