Thursday, May 2, 2024
x

كلمة قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في مؤتمر “الأزهر لنصرة القدس”

أصحاب القداسة والفضيلة والنيافة والسيادة وكل الحضور الكريم اسمحوا لي أن احيكم جميعاً باسم الله الواحد وأود ان اعبر عن محبتي الأخوية الخالصة لحضراتكم جميعاً،
اشكر فضيلة الامام الأكبر الشيخ أحمد الطيب شيخ الازهر على دعوته الكريمة للمشاركة في هذا المؤتمر هذا المؤتمر الهام الذي يقام تحت رعاية كريمة من سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس جمهورية مصر العربية
فما أجمل ان نلتقي جميعا بقلب واحد وفكر واحد من اجل قضية مصيرية هامة كالتي نجتمع بسببها اليوم،
ما يجمعنا أيها الأحباء هو المدينة المقدسة زهرة المدائن، القدس ليست مجرد مكان به معالم اثرية وله تاريخ انما هي تمثل قيمة خاصة في ايماننا وتطلعاتنا وذاكرتنا وآلامنا وهي أيضا رمز لتلاقى الشعوب بأثرها مع الله فهي المكان التاريخي للوحى الإلهي الكتابي وعلى ارضها المقدسة حدث الالتقاء بين السماء والأرض حيث خاطب الله البشر على ارضها أكثر من أي مكان اخر على وجه المسكونة،
للقدس مكانة كبيرة على قلب كل مسيحي فيها عاش السيد المسيح وصنع معجزاته وكل شبر وطئت اقدام السيد المسيح صارت له قدسية خاصة
وبعد خراب اورشليم عام 70 ميلاديا بدء المسيحيون يعمرون هذه المدينة من جديد وبنيت الكنائس فيها وصارت لها ذكرى مقدسة في جميع القلوب وأصبح لكل كنائس العالم تقريبا أماكن مقدسة فيها والمسلمون أيضا منذ فجر الإسلام يخصون القدس بقدسية خاصة ففيها توجد قبة الصخرة والمسجد الأقصى وغيره من الأماكن الإسلامية المقدسة
فاذا كانت القدس تمثل رصيدا تاريخيا للشعب اليهودي فهي تمثل تاريخا حياً أيضا وذكريات حاضرة بقوة في وعى ووجدان المسيحيين والمسلمين على حد سواء ومن المؤسف حقا ان تكون هذه المدينة المقدسة مسرحا لصراع عبر الأزمنة ويذكر التاريخ انها تعرضت للحصار عشرين مرة ودمرت تدمير شامل مرتين واعيد تشيدها ثمانية عشرمرة كما انتقلت من وضع الى وضع عدة مرات عبر التاريخ.
السلام اختيار لا بديل لنا عنه السلام وثيق الصلة بالدعوة المسيحية حينما جاء السيد المسيح الى عالمنا صحبته الملائكة بهتاف السلام ” المجد لله في الاعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة “.
والسلام الدائم لا يأتي الا باحترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وكل شعوب المنطقة،
والسلام الحقيقي لن يصبح واقعا مالم يتوقف العنف ولغة التهديد وتلك الوعود التي قدمت بلا أي مراعاة لمشاعر ملايين المسلمين والمسيحيين عبر العالم وعبر منطقتنا منطقة الشرق الأوسط.
وأنى على يقين ان شعوب المنطقة جميعا تتطلع نحو مستقبل أفضل وأكثر عدلا وانصافا تحيا فيه بتعايش مشترك وفقا لمبادئ المحبة والسلام واحترام الحقوق
ان للقدس وضعا مميز كمدينة مقدسة مؤهلة ان تصبح واحة سلام تلتقي فيها الصلوات وترتفع منه القلوب نحو السماء ملتمسه المعونة الإلهية ليدرك الناس افراداً وشعوباً ما هو على مستوى الكنيسة القبطية الارثوذكسية فان قضية القدس وقضية فلسطين كانت ولازالت حاضرة في ضميرها منذ البداية، على سبيل المثال بذل البابا كبرلس السادس اثناء الستينيات من القرن الماضي جهداً كبير في سبيل مساندة القضية الفلسطينية وخاطب مجلس الكنائس العالمي ورؤساء الكنائس المختلفة كما تواصل مع زعماء الدول وعدد من مسؤولي الهيئات الدولية،
كذلك فعل البابا شنودة الثالث الذي عقد مؤتمر عالميا داخل الكنيسة الكبري بالكاتدرائية المرقسية بالقاهرة في عام 2005م حضره فضيلة الامام الأكبر الشريف وقتها الدكتور سيد طنطاوي ولفيف من الشيوخ كما حضره وتابعه ملايين من الشعب العربي وذلك لمناصرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات حين كانت اقامته محدده في رام الله موقف لن تنساه ذاكرة الامة العربية،
يعوزني الوقت ان تكلمت عن الجهود التي بذلها ويبذلها الإباء مطارنة وأساقفة الكنيسة القبطية الارثوذكسية وكذلك أقباط مصر كلا في تخصصه في المحافل الدولية ومع الهيئات العالمية والمعنية بالأمر.
وموقف الكنيسة الثابت الراسخ في هذه القضية نابع من التزامها بمتطلبات العيش المشترك والمصير الواحد الذي يجمعنا سويا،
ولذا أعلنا مؤخرا رفضنا التام لما أقدمت عليه الإدارة الامريكية بنقل سفارة ولاية الامريكية الى القدس ذلك القرار الذي بحسب ديباجته يؤسس لتهويد القدس ويطمس الطبيعة التعددية للمدينة المقدسة وهو ما نرفضه كلية
الكنيسة لم ولن تعادى أي كيان او دين بل هي ترفض التعصب الذى يؤدى الى الحروب والاضطرابات تلك التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط عبر سبع عقود
نحن نرفض العدوان والقهر وندين كل من يحاول تديين الصراع العربي الإسرائيلي كما ندين توظيف الدين لأهداف بعيدة عن مقاصده كما نرفض التفسيرات التوراتية المتشددة التي تنفى الاخرين وجوديا ومعنويا وتجور على حقوقهم
القضية لها ابعاد سياسية واقتصادية وثقافية واختصارها في البعد الديني فقط ينذر بكارثه لذلك نحن نؤكد التزامنا بحقوق المقهورين والمضطهدين والمنفيين في ضوء التاريخ والجغرافيا بل والعقيدة أيضا
اننا نقف دوما بجانب كفاح من يناضلون من اجل حريتهم والاعتراف بكرامتهم الإنسانية واسقاط كل أساليب القهر والعنف.
سيادة وفخامة الرئيس الفلسطيني رئيس دولة فلسطين عرض علينا تاريخا حافلا من هذه القضية وما حدث من قرارات بالمئات او العشرات صدرت سواء من الجمعية العمومية للأمم المتحدة او الجمعية العامة او عن مجلس الامن وهذه القرارات لم تجد تطبيق على ارض الواقع،
ولذلك يجب ان نفكر جيدا كيف يستعيد هذا الشعب الذي له تاريخ طويل وحضارة اصيلة كيف يستعيد هذه الحقوق وكيف يتعامل مع العقول التي تفكر دون ان تراعى المشاعر مشاعر الملايين من المسلمين والمسيحيين
بناء على ما سبق فأننا ندعو لدراسة وضع القدس ليس من ناحية التراث الروحي فقط بل من الأولى من ناحية الوضع الإنساني المأسوي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني حتى اليوم ذلك الشعب الذي لازال يناضل في سبيل حصوله على حقوقه المشروعة وطالما ارتضى المجتمع الدولي حل الدولتين المتجاورتين فان القدس عاصمة تخدم كل الأطراف المعنية ستكون امرا فاصلا على ان تكون القدس الشرقية هي عاصمه دولة فلسطين التي اعترف بها العالم.
اليوم تعود مشكلة القدس لتنادى ضمير العالم فلا يمكن تجاهل مشاعر الملايين في كافة بقاع الأرض ، لذا نخاطب كل القوى الفاعلة وكل الهيئات الدولية ونخاطب الضمير الإنساني من فوق هذا المنبر وفى هذا المؤتمر الحيوي لينظر للزوايا الإنسانية للقضايا الفلسطينية لأنهاء هذا المعاناة بإقرار السلام الشامل والعادل الذي يمنح حق تقرير المصير وإقامة هذه الدولة و عاصمتها القدس والتي يعيش على ارضها الفلسطينيون مسلمون ومسيحيون في حياة كريمة هذا مع تأكيدنا على حق كل الشعوب بالعيش الحرية والسلام كلنا امل في ان يكون مؤتمركم الموقر هذا خطوة الى الامام لسبيل على طريق استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة والسلام الكامل للجميع واشكركم كثيرا .